أسفرت الحرب العظمى وذيولها في العشرينات عن منازعات كثيرة وعميقة، ليس في الميدان السياسي فقط، بل وكذلك في الميادين الحضارية والفكرية، بما فيها الموضة، وتأثر عالمنا العربي بها. بجانب موضوع ارتداء الحجاب وخلعه انشغل القوم بموضوع طول التنورة والفستان. ظل الستر على الكعبين أساسًا من أسس الاحترام والتقوى حتى في العالم الغربي. كانت المرأة الأوروبية تكشف عن أعالي صدرها وظهرها دون حرج، كما نلاحظ في البورتريهات الكلاسيكية. ولكن الستر على الرجلين ظل مفروضًا. كان هناك هوس في هذا الموضوع حتى إن الإنجليز فرضوا هذا التقليد على المناضد، فأصبح من المعيب أن تأكل على مائدة مكشوفة الأرجل. فعلى ست البيت أن تغطي المائدة وأرجلها بالخوان! وبالنسبة إلينا صدرت عدة فتاوى تحرم على المرأة الكشف عن كعبيها. ولكن القوم بدأوا بتجاوز ذلك في العشرينات، وكان لذلك صدى في الفولكلور العراقي، إذ راح المطربون يحثون المرأة على مجاراة ذلك بتقصير ثوبها: قصري زبونك! خلي الحجل ينشاف لو يسألونك قولي قليل الخام! هكذا ارتفعت حاشية الفستان إلى ما فوق الكعبين. ولكن إلى أين، وإلى أي حد؟ إلى الركبتين أم إلى فوقهما؟ وتفاقم الصراع، بيد أن كل هذه المستجدات لم ترق للمحافظين. سارع الشاعر الشعبي عبود الكرخي فتهجم على هذا الموضات الأخيرة: بنت الحمولة شلهت ذرعانها وقصت شعرها وقصرت فستانها! تمشي رهيفة ولابسة التنورة للركبة تشبه ناقة المطبورة! وتفجرت حناجر المطربين الشعبيين: يا بنية بنت البيت قصت شعرها تمشي دلع بالسوق عافت سترها عالموضة تمشي دلع يا ربي سترك واحفظ جميع الناس منها ومكرها استقرت الموضة بتحديد حاشية الفستان بمستوى الركبتين. لا يجوز الصعود إلى ما فوق ذلك، بيد أن مصممي الأزياء الإنجليز استجابوا لما عرف بالثورة السلوكية للستينات فخرجوا بموضة الميني سكيرت، أو الميني جوب (التنورة المصغرة). انتقلت الموضة إلى بعض جهات العالم العربي فأثارت موجة من الاستياء. منعت في أكثر البلدان. وفي العراق كلفوا الشرطة بصبغ رجلي أي فتاة بالدهان تكشف عنهما. وأثار الإجراء امتعاض المجددين برئاسة الجواهري فنشر قصيدة طويلة يعاتب فيها الوزير مهدي عماش: نبئت أنك توسع الأزياء عتا واعتسافا تقفو خطى المتأنقات كسالك الأثر اقتيافا وتقيس بالأفتار أردية بحجة أن تنافى ماذا تنافي، بل وماذا ثَمَّ من خلق يُنافى؟ أترى العفاف مقاس أقمشة؟ ظلمت إذن عفافا هو في الضمائر.. لا تخاط ولا تقص ولا تكافى من لم يخف عقبى الضمير فمن سواه لن يخافا
|