من السهل على أحدنا حينما يُعاني من مشكلة صحية ما، أن ينتقي أحد الحلول التي تبدو له سهلة التطبيق كي يُظهر بذلك اهتمامه بإزالة تلك المشكلة الصحية التي يعاني منها. ولكن من الصعب الجزم بأن هذا سيؤدي بالفعل إلى تحقيق نتائج ملموسة في حل تلك المشكلة الصحية التي لديه، تجعله بالتالي يعيش حياة أفضل. السمنة وزيادة الوزن مشكلتان شائعتان، وكثير منّا يُحاول جاهدًا إما أن يتغلب عليها ليعود وزنه إلى المعدلات الطبيعية، أو يُحافظ على وزنه الطبيعي ويحميه من الزيادة أو الوصول إلى درجة السمنة بالتعريف الطبي. وبالنظر إلى المشكلة، فمن الواضح أن كثيرين لا ينجحون في تحقيق خفض وزن أجسامهم ويصلوا به إلى المعدلات الطبيعية، والدليل انتشار عمليات تحزيم أو تقليص حجم المعدة، وانتشار السمنة. بمعنى أن انتشار اللجوء إلى عمليات المعدة دليل على عدم نجاح بعض منْ يحاولون خفض أوزانهم بالطرق المنصوح بها طبيًا، وانتشار السمنة دليل آخر على عدم النجاح أيضًا. والسؤال: كيف نقوم نحن فعليًا بتلك المعالجة لارتفاع مقدار الوزن، وكيف نعمل على الوقاية من السمنة؟ والسؤال الثاني: لماذا عدم النجاح؟ هل السبب هو أن التخلص من عدة كيلوغرامات في وزن الجسم أمر مستحيل؟ طبعًا لا، إنه أمر ممكن ونجح كثيرون فيه. إذن، أين يكمن الخلل؟ قد يكمن الخلل في جانب منه، في طريقة النظر إلى سلوك طريق حل المشكلة وأولويات العمل على إزالتها وفق ما هو ثابت أنه مفيد بشكل واضح. دعونا نأخذ مثالاً من مشكلة لا علاقة لها بالصحة والطب، هي هدر الماء المنزلي وعدم محافظة أحدنا على كميات المياه التي تصل إلى منزله. كيف يفكر غالبية الناس في مناطق العالم حول أفضل وسيلة لمنع قيامهم بالإسراف في استخدام المياه وعملهم على حفظ هذه الثروة العزيزة؟ في يوليو (تموز) الماضي نشرت مؤسسة «جي إف كي» لمجمع أبحاث المستهلكينSociety for Consumer Research نتائج استطلاع للرأي في الولايات المتحدة حول ما الذي يعتقده الناس حول أهمية المحافظة على المياه وعدم الإسراف فيها حفاظًا عليها. وأفادت النتائج أن الغالبية يعتقدون أن المياه ذات مصادر محدودة، وبالتالي يجب الحفاظ عليها وعدم هدرها. وفي دراسة للدكتورة شازان أتاري نُشرت العام الماضي، أفادت غالبية المشاركين فيها أن أفضل استراتيجية للحد من هدر استخدام المياه هي اتباع سلوكيات مباشرة للحد من استهلاكها، مثل تقليل وقت الاستحمام تحت دش (مرشاش) الماء، وقفل الحنفية أثناء تفريش الأسنان لتنظيفها.. وغيرها من السلوكيات المباشرة في التعامل مع الماء، وذلك بالمقارنة مع استراتيجيات أخرى غير مباشرة لحفظ المياه، مثل تحسين كفاءة عمل أجهزة المنازل التي يتم استخدام الماء من خلالها، وإصلاح التسريبات في التمديدات، واستبدال أنواع أكثر كفاءة بالمراحيض، وفحص أنابيب تمديدات المياه المنزلية.. وغيرها. وقالت حينذاك الدكتورة أتاري ما مفاده أن تركيز أكثر الناس هو على تقليص الاستخدام المباشر للمياه بوصفه استراتيجية، أفضل للحد من هدر استهلاك المياه بدلاً من تحسين كفاءة عمل أجهزة المنازل تلك. وأضافت أن هذا ربما بسبب ارتفاع التكاليف المادية لتحسين كفاءة الأجهزة تلك مقارنة بالاكتفاء بتقليل الاستهلاك المباشر. ومن المثير للدهشة أن قلة من المشاركين رأت أن تحديث المراحيض سيفيد في تقليل استهلاك الماء. وقالت إنه على الرغم من أن المراحيض تستهلك كمية أقل من المياه المستخدمة في الاستحمام، فإن تكرار استخدام المراحيض يجعلها بالجملة تستهلك كمية أكبر من الماء مقارنة بالاستحمام. والشيء نفسه ينطبق على التسريبات في تمديدات أنابيب الماء التي تبدو قليلة، ولكنها كثيرة مع مرور الوقت، ولذا فإن إجراء كشف تسريب المياه وإصلاح ذلك في تمديدات المراحيض سيوفر نحو مائتي غالون يوميًا، وتثبيت رأس دش منخفض التدفق سيوفر غالونين في كل دقيقة من فتح الدش، واستبدال أنواع أحدث بالمراحيض القديمة والكبيرة، يُوفر ما بين غالونين إلى خمسة غالونات مع كل دفقة استخدام للسيفون، بينما تقليص مدة الاستحمام يوفر نحو 3 غالونات في الدقيقة. وبالمحصلة أفادت الدكتورة أتاري أن تحديث تمديدات وأجهزة المراحيض يُكلف بداية أكثر ولا يبدو مفيدًا بدرجة أعلى، ولكنه أعلى كفاءة ويُوفر أفضل على المدى الطويل. ونعود إلى وزن الجسم وتناول الطعام؛ إذ تتنوع استراتيجيات العمل على خفض وزن الجسم، ولكن منها ما هو مُجد بالفعل، ومنها ما ليس كذلك. وعلى سبيل المثال، قد يتوقف أحدهم عن تناول وجبة الإفطار ضمن جهده في خفض كمية الأطعمة المتناولة، ولكن الدراسات الطبية أوضحت أن تناول وجبة الإفطار وسيلة لخفض وزن الجسم، وأن منْ يتناولون وجبة الإفطار أوزانهم أقل ممنْ لا يتناولونها. وكذلك قد يضبط أحدهم كمية الطعام في وجبات الطعام الرئيسية، ولكن تظل لديه مشكلة تناول كثير من الأطعمة على هيئة مقرمشات وغيرها من الوجبات الخفيفة بين الوجبات الرئيسية للطعام. وقد يقوم أحدهم بإجراء التمارين الرياضية اليومية ويكتفي بها كجهود لخفض وزن الجسم، بينما في الحقيقة كمية السعرات الحرارية (الكالوري) المستهلكة في تلك التمارين الرياضية بالكاد تصل إلى تعديل كمية الطعام في وجبة واحدة، وتحديدًا أشارت إحدى الدراسات الطبية إلى أن عدم تناول نصف وجبة طعام معتادة لشخص سمين يُقلل من كمية الكالوري في الجسم بكمية أكبر من ممارسة الهرولة المعتدلة لمدة نصف ساعة. حينما نتعامل مع مشكلاتنا الصحية، فعلينا أن نبحث ونقرر بتأن، ما الأفضل، ونتابع نتائج ما نتبعه من سلوكيات في نمط عيشنا للحياة اليومية، وإلاّ سنظل ندور في حلقة مفرغة، ونُراوح أماكننا، وتظل تلك المشكلات والأمراض تستهلك الكثير من عافيتنا. * استشاري باطنية وقلب
|