السلة الغذائية توظيف الفساد بانعاش فساد اخر

 

اتضح فيما اتضح انه وبعد فساد ما بعده فساد نخر وزارة التجارة  من رأسها إلى أخمص قدميها وتركها أشبه بالجثة الهامدة تنهش في أوصالها مافيات الفساد وعصابات الجريمة المنظمة, خاصة زمن وزيرها الهمام عبد الفلاح السوداني وخلفه بالوكالة صفاء الدين الصافي, ان مجلس الوزراء اكتشف ومعه مجلس النواب إن لا وسيلة لاجتثاث الفساد من هذه الوزارة إلا بتطبيق نظام السلة الغذائية, وما أدراك ما السلة الغذائية, إنها ليست كما يتبادر إلى أذهان الحالمون على إنها استجابة للمطالب الشعبية الملحة بزيادة مفردات البطاقة التموينية وتحسين نوعياتها لتكون اسما على مسمى كسلة غذائية متكاملة تلبي الحد الأدنى من احتياجات الأسرة العراقية , وإنما هي عملية ترقيع لسياسة متهرئة لا تعدو أكثر من كونها علبة من الكرتون ستحوي المواد البائسة بعد تغليفها , وبالرغم من إننا نسمع باعتراض المواطنين مرارا وتكرارا على نوعية وكمية مفردات البطاقة التموينية, ولكننا لم نسمع مطلقا باعتراض مواطن في العراق كله بملايينه الثلاثين على طريقة التغليف ومطالبته باستلامها بسلة واحدة, فقد اعتاد استلامها بسلته هو منذ (23) عاما بقناعة تامة بهذه السلة, فما يهمه ليس السلة وإنما ما تحويه هذه السلة من مفردات.
ولا ندري ما الجديد الذي استجد ليسارع مجلس الوزراء بتخصيص المبالغ الهائلة لهذا المشروع البائس ومسارعة مجلس النواب على المصادقة عليه بعد أن كان قد رفضه في شهر كانون الثاني الماضي لتكاليفه الباهظة, إذ يكلف نظام السلة الغذائية مبلغ (850) مليون دولار تضاف إلى الستة مليارات دولار هي تخصيصات البطاقة التموينية وخرج مجلس النواب بالتوصية بضرورة معالجة نوعية المواد في حينها, لتعود اللجنة الاقتصادية ثانية قبل أيام لتعلن عن الاتفاق مع وزارة التجارة على العمل بنظام السلة الغذائية, ويتقافز النواب أنفسهم الذين انتقدوا هذا النظام سابقا على المنابر الإعلامية ليدبجوا عبارات المدح والثناء عليه, وتفعل الماكنة الإعلامية فعلها بهذا المنجز العظيم في وقت نشهد فيه عقم الانجازات الحكومية,  ليظهر هذا النظام بأنه سيقضي على فساد الوكيل وسيحد من اختلاسه لمفردات البطاقة التموينية أو استبدالها بأخرى رديئة وتلاعبه بالأوزان والتلكؤ في التوزيع بل هي العصا السحرية التي ستعالج كل اختلالات وفساد البطاقة التموينية, وهكذا يذر الرماد في العيون ليكون مصير المال العام محل مزايدات سياسية لاستمالة كتلة وزير التجارة التي تشكل احد أضلاع مثلث الأزمة الحالية, فزيادة التخصيصات المالية تعني زيادة التعاقدات وتعني أيضا زيادة العمولات والرشا لصالح هذه الكتلة هذا أولا, ثم تأتي السلة الغذائية ثانيا لحرف أنظار الرأي العام عن الفاسدين الحقيقيين لتلصق تهمة الفساد بأضعف الحلقات, وهو الوكيل الذي لم يعد أحدا يتهمه بما أل إليه مصير البطاقة التموينية, فلم يعد قادرا على استبدال المفردات بأخرى رديئة في الأسواق التجارية ليحصل على فوارق الأسعار, فما توزعه وزارة التجارة هو من أردأ الأنواع التي لن يغامر التجار باستيرادها تلافيا للخسائر, فالسكر المتصلب والشاي المسرطن والرز المخصص كعلف للحيوانات هي من استرادات وإبداعات وزارة التجارة وليس الوكيل أو تجار القطاع الخاص, كما ظهرت براءة الوكيل من التهم المنسوبة إليه باختلاس المفردات وعدم توزيعها على المواطنين حينما اوحت وزارة التجارة بمسؤولية الوكيل باخفاء المواد عن المواطنين ووزعت بطاقات استلام المواد, وظهر إن كمية ما يوزعه الوكيل هي نفسها ما يقوم باستلامها من مخازن وزارة التجارة, بل انه كان يسلم مراكز التموين المبالغ المستحقة عليه مقدما دون أن يعلم انه لن يستلم شيئا من هذه المواد ليتحمل هذا الوكيل خسائر مضافة لن يستطع استحصالها من المواطنين.
السلة الغذائية هدر صارخ للمال العام على علبة كارتونية وتغليف مادتين لا أكثر بذريعة مكافحة الفساد وكان يمكن استغلال هذه الأموال الطائلة في زيادة مفردات البطاقة التموينية التي أضحت الطبقات الفقيرة بأمس الحاجة لمفرداتها في ظل التباين الطبقي الشاسع واتساع رقعة الفقر والبطالة, وان مكافحة الفساد تتم بتفعيل الإجراءات الرقابية والقضائية المعطلة ولا تتم بإنكار مصادره الرئيسية للجهات النافذة وتوظيف الفساد المستشري بإنعاش فساد آخر.

خالد الخفاجي/
رئيس الرابطة الوطنية للمحللين السياسيين