خطابات القمة العربية

 

بالرغم من إن العرب أمة تردد كثيراً منذ قرون طويلة عبارة (خير الكلام ماقل ودل) لكنها الأقل التزاماً بمعناها فتراهم يطيلون ويسهبون كثيراً اذا ماخطبوا أو تحدثوا، لا قلة في الكلام عرفوا ولادلالة في المعنى بلغوا، ولمن لايعرف قائل هذه العبارة فهي تعود الى الامام الحسن عليه السلام وقيل الى أبيه الامام علي عليه السلام سيد بلغاء العرب، واذا كان الخطباء العرب اللامعون في الماضي لايكررون ولايجترون وإن أطالوا مثل سحبان بن وائل الذي أدرك الأسلام وأسلم وهو سحبان بن زفر بن أياس بن وائل وكان اذا خطب يشدُ السامع اليه ولايتوقف ولايتنحنح ولايعيد كلمة ولامعنى حتى صارت العرب تضرب فيه مثلاً (أبلغ من سحبان وائل) وقيل أنه خطب مرةً من صلاة الظهر حتى صلاة العصر دون توقف والناس تستمع اليه دون ملل.
العرب اليوم صاروا يكثرون من الكلام غير الدال، ومن الطريف أن يفخر بعضهم بدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية في قدرته على إلقاء أطول خطاب كما فعل الزعيم الراحل معمر القذافي في احدى القمم العربية، والمتابع لافتتاح القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الدوحة سوف يشعر بالملل من طول خطابات القادة العرب وتكرارهم للكلمات وتشتت المعاني والدلالات، وهي سمة تتميز بها القمم العربية، فترى أحدهم يردد عبارة (خير الكلام ماقل ودل) ثم يتحفنا بخطبة طويلة عريضة سرعان مايعرض السامع عنها. للأسف هناك من يعتقد ان الأطالة في الخطاب تعبر عن قدرة قيادية فذة، حتى الجيل الجديد من الزعماء العرب سرعان ما أُصيبوا بهذا الداء العضال مثل الرئيس المصري محمد مرسي الذي خطب في المصريين لمدة 120 دقيقة متواصلة، ويبدو إن العرب أما تعلموا من الأتراك أو علموهم لعنة الخطابات المطولة، فالزعيم التركي أردوغان ألقى في المؤتمر الرابع لحزب التنمية والعدالة خطاباً زاد عن ثلاث ساعات متواصلة كما أن وزير خارجيته أحمد داود أوغلو الذي شارك في القمة العربية الأخيرة ألقى هو الآخر خطبة طويلة.
وبسبب هذه الخطابات المطولة صار مشهد نوم زعماء وأعضاء الوفود في القمم العربية أمراً مألوفاً ودائماً يبرع المصورون في إقتناص صورة لزعيم عربي وهو يغط في نوم عميق، ربما ليحلم في مستقبل عربي أفضل!، ولا ندري هل نلوم الزعيم الذي ينام أم الزعيم الذي يخطب، والواقع ان أي متابع يشعر بالملل والقرف من الخطب المطولة التي تتميز بها القمم العربية، لماذا ينسى هؤلاء القادة دائماً عبارة (خير الكلام ماقل ودل) فيطيلوا ويطنبوا ويفقدوا السامع فيتحول إفتتاح مؤتمر القمة الى مايشبه حفلة طرشان؟ حتى زعيم المعارضة السورية ما أن استلم مقعد سوريا في المؤتمر حتى أتحفنا بخطبة طويلة ومملة وخرجت كثيراً عن الأعراف البروتوكولية والدبلوماسية وكأنه مازال يخطب في أحد مساجد دمشق لا في قمة عربية.
الغربيون لايرددون كثيراً مثلنا عبارة (خير الكلام ماقل ودل) لكنهم يطبقون معناها دائماً في مؤتمراتهم وخطبهم التي تتميز بالإيجاز والدلالة، فكل كلمة فيها محسوبة بدقة وتؤدي معنى ورسالة. الى متى تبقى قممنا ومؤتمراتنا عبارة عن مهرجانات خطابية مملة غير ذات معنى؟.