أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي من أهم انجـازات تكنولوجيا الاتصال الحديثـة، حيث أصبحـت إحدى ركـائز الإعلام التي تتيـح التواصل بين الأفراد، ومشاركـة الملفـات ومقاطع الفيديو والصور؛ وتصدر موقعا فيس بوك (Face book) وتويتر (Twitter) هذه المواقع في أهميتها ولكثرة مستخدميها. وفى عديد من بلدان العالم أصبح لهذه المواقع دور حيوي في ازدهار النشاط السياسي للشعوب المختلفة، فهي تتجاوز الحدود والرقابة، حتى أنها أصبحت منابر للحركات السياسية، ومطالبات الإصلاح، ولرفض الظلم في شتى مجالات الحياة، وهي اليوم أشد وسائل الإعلام تأثيراً في العراق برأيي. فالتظاهرات المستمرة على الفاسدين في العراق لا أحد يعرف من الشعب من هي قياداتها، ومن جعلها على هذا المستوى من الانتظام، لكن المعروف أن مواقع التواصل الاجتماعي في العراق وخاصة الفيس بوك أصبحت هي المحرك الاساس لهذه التظاهرات وهي مصدر القلق الرئيسي للقيادات الفاسدة في العراق؛ فإن الدور السياسي الذي تؤديه تلك المواقع بين الشباب يكتسب أهمية أكبر بكثير، حيث باتت تمثل ساحة لتداول الآراء ونقطة انطلاق للمشاركة السياسية سواء على صفحات الانترنت أو على أرض الواقع، وهى ما نتطلع إليه بشغف من أجل تحقيق خارطة الطريق التي رسمتها التظاهرات الاخيرة المستمرة في بغداد والمحافظات، وتحقيق الأماني في تنظيف العراق من الفساد ورجاله، وتحقيق المستوى المعيشي الذي يليق بالعراقيين، والتي لا يمكن أن تكون بمعزل عن جهود الشباب. إلا أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظل وجود درجة معقولة من الفاعلية السياسية في العراق، والتي تعنى شعور الشخص بأن رأيه ومشاركته وسلوكه السياسي سوف يحدث فارقاً في المخرجات السياسية، وأن الحكومة سوف تستجيب لمطالبه في حال تعبيره عنها، وبعكس ذلك فأن الامور ستعود إلى ما كانت عليه قبل سقوط صدام. وفي لمحة تاريخية لدور الانترنيت ومنها مواقع التواصل الاجتماعي في الحراك السياسي حيث ظهر بوضوح تأثير الانترنت في الحراك السياسي في الولايات المتحدة في 2008 أثناء الانتخابات الرئاسية، وفى إيران عام 2009 أثناء تمرد تويتر Twitter خلال التظاهرات بين الاصلاحيين والمحافظين، وكذلك في انجلترا في سنة 2010 أثناء الدعوة للتعبير عن الاحتجاجات على الأرض على صفحات المواقع الاجتماعية. أما في الدول العربية فقد زاد حجم الدور السياسي لهذه المواقع أيضاً، بعد أن كان فيس بوك وراء لما يسمى بثورات الربيعي العربي في تونس واليمن وفى ثورة 25 يناير في مصر، وخاصة بين الشباب الذين قادوا تلك الثورات. وبسبب التطورات التي طرأت في الساحة السياسية، والمتلاحقة بسرعة ملحوظة، زاد الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي، لما توفره من خصائص مميزة، مثل التفاعلية والفورية وغيرها، التي أحدثت تطوراً في نوعية الاتصال والمشاركة في الأحداث من طرف الجمهور، كما أتاحت التفكير التبادلي والتعددية في وجهات النظر. وقد أثبت عديد من الدراسات أن الفاعلية السياسية تمثل حافزاً إيجابياً للسلوك السياسي الذي يحدث في حالة شعور الفرد بالثقة في مدى فهمه للأمور السياسية، وفى قدرته على التأثير في مجريات الأمور، وهى تستمر لمدة طويلة سواء على مستوى الفرد أو المجتمع ككل، وبذلك فهي لا تتأثر بأحداث عابرة مثل مشاهدة برنامج تليفزيوني أو قراءة مقالة ما، بل تتغير بعد وقت طويل وبعد أحداث متتالية. ومع ذلك، فقد كان هناك العديد من الشواهد التي تبين ضعف مشاركة الشباب في الحراك السياسي وعزوفهم عن المشاركة في زمن رئاسة صدام للعراق، مما قد يشير إلى افتقار الشباب إلى الفاعلية السياسية التي هي من المحركات اللازمة للقيام بالنشاط السياسي والاشتراك في تحديد مصير المجتمع. و قد يرجع ذلك إلى اللامبالاة، أو الانغلاق على الذات أو الشعور بالسخط. وربما يرجع ذلك للأوضاع الاقتصادية الصعبة وعدم توافر الوظائف المناسبة لعدد غفير من الشباب. كذلك قد يرجع تضاؤل اهتمامهم بالسياسة إلى قناعتهم بعدم وجود فرص كافية للتعبير عن النفس. وقد أرجع عديد من الدراسات عزوف الشباب عن المشاركة السياسية إلى نقص ثقتهم في أنهم قادرون على إحداث فارق في مجتمعاتهم، وأن الحكومة والمسئولين سوف يهتمون بمعاناتهم ويلتفتون باهتمام لمطالبهم. وهذا ما حدث لسنوات طويلة في عصر حكم صدام حسين، حيث وصل حد البعد عن المشاركة السياسية إلى حد اليأس بسبب الافتقار إلى شعور الفاعلية السياسية على المستوى المجتمعي ككل حتى جاء التغيير في 2003، حينها أذهل الشباب العالم بفرض الإرادة الشعبية والمشاركه في جميع التظاهرات الانتخابية رغم قساوة الاوضاع الامنية.
|