عسل الماضي سبب تخلفنا نحنُ العربْ !

و أنا أقرأ مقالاً لکاتبٍ خلیجي عن دورِ الإعلام العربي في العصر الحدیث و تأثیره علی رفع الوعي الجماهیري ، لفتت انتباهي إحدی عباراته ، تصلُ حدَّ الحکمة علی أقل تقدیر ! و هي أنَّ المُشاهِدَ العربي نضجَ الى حدٍ كبير ، و نضجَ معه الإعلامُ المصاحب ، منذ أن بدأت عملیَّتَيْ عاصفة الحزم و اعادة الأمل في الیمن ، و منذ أن أخذ الإعلام الخلیجي یعکس حقیقة هاتین العملیتین دون رتوش ، و بمهنیة و مصداقیة "عالیتین" !
بصراحة .. ربطٌ مذهل !!!
لا اعلم ماهيَ مصادیق زمیلي علی ادِّعائه و استنتاجه ، و کیف وَصل الی هذه المعلومة الخطیرة فجأةً دون مقدمات و تحلیل ؛ لکنَّني أعلمُ جیداً و بلغة الأرقام أنَّ مستوی الفرد العربي في انتاج الفکر و بحسبِ منظماتٍ عالمیة ، یمُرُّ في أسوأ عصوره علی الإطلاق بالمقارنة مع باقي الشعوب و الأمم ، فالمجتمعات العربية تُصَنّفُ ضمن خانة الأكثر تخلّفاً في توظیف التكنولوجيا و التمیُّز فيها ، و هي مرحلة تلي النضج و الوعي و الإدراك . تکفینا ماتذکره تقارير المؤسسات المرتبطة بالتنمية العربية من أرقام طیلة السنوات الماضية ،
تشیر فیها الی تخلُّف العرب في کافة المجالات ، بل تؤشر الی اتساع الفجوة بشكل مریب ؛ بين ما كانوا علیه في ستینیات و سبعینیات و حتی ثمانینیات القرن الماضي ، وما أصبحوا عليه اليوم .
نضحَكُ علی عقولنا قبل الآخرین ، عندما نتحدَّث بهذه الثقة المفرطة ، عن نُضجٍ عربي نمی بفضل الاعلام الناضج !
بربِّکم ؛ أعطوني مثالاً یتیماً لهذا الإدِّعاء السافر ؟!
دلَّوني علیه لأستفیض .!
لا يمكن الحديث عن ولادة مواطنٍ عربيٍ واعٍ ، إلا بعد أن تصبح أوطاننا إمّا إسلامیة یُطبَّق فیها الشرع حقَّ تطبیق، أو مدنیّة تسمحُ بحرية الاتصال والتواصل ، و تفسحُ المجال نحو توفیر مناخ سياسي و اقتصادي و ثقافي و في شتّی المجالات.
هذا المواطن سوف لن یُولد ، قبل أن تُولَد ارادة تحترم الديمقراطية و تحترم الرأي الآخر ، و قبل أن یُلغی التعصُّب القبلي و العشائري الزائف ، و قبل أن تُنبذ الطائفية عن بکرة أبیها !
إنَّ من أهمِّ أسباب تعثُّر بناء شخصیةٍ عربیةٍ واعیةٍ (تُشَخِّصُ الصوابَ عن الباطل ولاتُصدِّق کل ماتقدِّمه وسائل الإعلام العربیة) ، هو عدم توفير بنية تحتية ثقافية لهذه الشخصیة المتخلفة .
أمّا مَن یَصبَّ جام غضبه و عتبه علی الأنظمة بأنَّها ترکت الأمة تسبح بجهلها ، فهو مُخطئٌ في أجمل التعابیر و جاهلٌ کغیره ؛ فأنظمتنا الفاسدة لم تترك شعوبها و شأنها فحسب ، بل شجَّعَت و سَعَت و وَظَّفَت قدراتها ، لتوسیع رقعة هذا الجهل لضمان بقاءها !
الغریب ؛ أن العالم و رغم کل ما شهده من طفرات نوعیة مهولة في کل شيء تقریباً
-الفکریة منها و العملیة- خلال الأعوام و العقود القلیلة الماضیة ، و التي ضاهت ما حققته البشریة خلال الآف السنین و أکثر -هو الآخر- لم یأخذ بید «العرب» نحو بدایات سُلَّمِ الرُّقي و التعالي علی اقلِّ تقدیر، و الأغرب أنَّ هذا السُلَّم باتَ کهربائیاً فائق السرعة مقارنة بالماضي .. و مع هذا
لم یشکِّل حافزاً و دافعاً نحو الأمام لأمَّة محمَّد .
العربُ الیوم ، نائمون في عَسل الماضي -المليء بالمنجزات و المفاخر- و هُوَ سبَبُ فشلهم و سبَبُ عدم نُضجهم و إعلامِهِم المُصاحب .
"الجزیرة و العربیة"
قمة نُضج العَربْ ، و عندك الحساب .. !!