اهربوا لقد اكتشفوا أمرنا


أرسل الكاتب الأمريكي (مارك توين) رسالة مختصرة بهذا النص (اهربوا لقد اكتشفوا أمرنا)، ثم أبرقها على سبيل الدعابة إلى عشر شخصيات سياسية كبيرة، وما أن بزغت شمس الصباح حتى كانوا جميعهم خارج أمريكا. ترى ما الذي سيحدث في العراق لو أرسلنا مثل هذه الرسالة المفزعة إلى أقطاب الفساد، الذين اعتادوا على نهب المال العام، وما الذي سيحدث لو أرسلناها إلى مدراء السوء، الذين تجاهلوا حقوقنا وانشغلوا بأنفسهم، أغلب الظن أنهم سيلوذون بالفرار، ويا روح ما بعدك روح. 
وما الذي سيحدث لو أرسلنا هذه الرسالة إلى السياسيين، الذين تكشفت عوراتهم، وبانت سوءاتهم، بعدما خذلونا وفرطوا بمصالحنا الوطنية. أغلب الظن أنهم سيحملون جوازاتهم الاحتياطية، ويعودون مذعورين مدحورين إلى أوكارهم القديمة، ولعل أكثر الإجراءات ضماناً في الوقاية من هروبهم، هي استبعادهم من مواقعهم الحساسة، فما أسهل التملص من المسائلة القانونية عند الذين تشعبت ولاءاتهم الزئبقية، وما أبسط الرجوع إلى الحاضنات البديلة عند الذين تعددت ارتباطاتهم الدولية. لذا يتعين علينا توخي الحذر، حتى لا نقع في المطب، الذي وقعت فيه مصر عندما سجنت الدكتور (سعد الدين إبراهيم) حامل الجنسية الأمريكية، ويومها هددت واشنطن بوقف مساعداتها عن مصر ما لم يتم الإفراج عنه. وما أن أفرجوا عنه حتى لاذ بالفرار، وعاد مهرولاً إلى حاضنته البديلة، فتنكر لأمته، وقال في احتفالية أقيمت له في نيويورك: (أنا أقوى من مصر)، وكان هذا هو ثمن الاتكال على أصحاب الوجوه الهلامية المزدوجة.
فاسدون وعابثون ومستهترون، لكنهم عندما تحين ساعة الهرب يرتمون في أحضان أمريكا أو بريطانيا. لقد أدرك هؤلاء أن ساعتهم أزفت، خصوصا بعدما افتضح أمرهم، وبعدما تضخمت ملفاتهم المتراكمة. فما بالك إذا وقعت الواقعة، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد، واصطفوا جميعهم مذعورين مهزومين بين يدي الواحد القهار يوم تُبلى السرائر، فما لهم من قوة ولا ناصر. 
وبغض النظر عن الذين هربوا، والذين يخططون للهرب، فأن الخاسر الأكبر هم أولئك الذين وضعوا ثقتهم بأشخاص لا ينتمون إلى العراق وأهله. أشخاص يقبعون الآن في حاضناتهم الخليجية أو أوكارهم الغربية. فالتآمر علينا صار من الأساليب السياسية الرخيصة التي تبناها أصحاب التطلعات الوصولية والأهداف النفعية.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين