خلال الدورتين الماضيتين لم يجر مجلس النواب تعديلا مهما على القوانين الانتخابية سوى تغيير القائمة من مغلقة صرفة الى مغلقة تدنو من المفتوحة. بينما يحتاج القانون الى مجموعة تعديلات احدها ذلك المتصل بقصة المقاعد الشاغرة. عند عملية العد والفرز عادة ما يبقى بعض المقاعد الشاغرة، هي تمثل قيمة الاصوات المشتتة التي حصلت عليها قوى لم تتجاوز العتبة الانتخابية. وفق القانون الحالي هذه الاصوات توزع على من تجاوز العتبة حصريا، اي ان عشرات او مئات الاف الاوراق الانتخابية تذهب لغير من صوتت لهم. ولذلك رفعت منظمات مدنية الصوت عاليا رافضة الاستمرار بهذه الصيغة تحت شعار "لا تسرق صوتي". وكشفت رئيسة منظمة تموز للتنمية الاجتماعية، ان اربعة نواب او خمسة فقط دعموا مواقف "المجتمع المدني" الداعية لتعديل القانون، ما يعني ان ما لا يقل عن 98% من المجلس اتفق على عدم القيام بذلك. ما يتيح لنا القول ان البرلمان العراقي يحاصر اي فرصة للآخرين للمشاركة، حتى على مستوى المجالس المحلية. ترتبط الطبقة السياسية الحاكمة ببعضها في مصير واحد، مهما اختلفت، تدرك انها تركب سفينة واحدة تحملها، لن تسمح لاحد ان يشاركها، ولا تعطي الفرصة لجهة كي تهدد مكاسبها. وما جرى من تواطئ الجميع في سبيل عدم تعديل القانون الانتخابي بعدالة مطلوبة، يكشف عن حجم التوافق حول عشرات القضايا في سبيل تقاسم الغنائم والنفوذ والمصالح الفئوية. لا يتوقع من هكذا طبقة ان تؤسس معارضة تعمل على فضح الفساد والانتهاكات، ولا يمكن لها ان تخرج عن اجماع القطيع الذي يدعوها كي تحمي مصالحها بالصمت عن بعضها البعض. وما يجري بين الفينة والاخرى من عمليات فضح ومحاسبة، هي مساع فردية، او استخدامات سياسية يراد منها الابتزاز. حدود الخلاف بين المتناحرين النيابيين يظل في دائرتهم، لا يدخل اليه غريب، البيت شيدوه لهم، ممنوع ان يفد عليهم "طارئ"، ولن يتيحوا لقانون ان يخدم سواهم. وهذا ما جعلهم يندفعون جميعا لاتخاذ مواقف متشابه من تعديل قانون الانتخابات. بعض النواب يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن ان القانون ظالم، لكنهم لا يتحدثون سوى سرا بذلك. قيادات الكتل قررت شيئا اخر، ان يبقى الامر هكذا، ان لا تلمسه يد القوى الاخرى، ولا يعطي فرصة لغيرهم بالمضي بعيدا او حتى قليلا داخل الحياة السياسية. النواب الصغار يحملون المسؤولية لقيادات الكتل، حسنا انها القيادات، لكنهم ايضا متورطون. قانون الانتخابات احد مؤشرات النوايا السيئة المتحكمة بنبض المشرع، اي بنبض من يحدد مسار الحياة السياسية وحدود ما للآخرين من فرصة. لن يحمي احدهم حقوق الانسان ولن يشيد ديمقراطية، لا يمكن التعويل عليهم كثيرا.. ستحكم النخبة الحالية وتتشبث، لن تزاح الا بوعي شعبي ونخبوي مختلف. |