تجاوزات وفوضى على المكان وحقوق المستهلك والمواد الغذائية سوق باب المعظم الشعبي في قلب العاصمة و"كلشي وكلاشي"


العراق تايمز: تحقيق فارس الشمري..


تتشابه صورة اسواقنا الشعبية في مواصفة الفوضى بكل شيء!! ولكونها شعبية فالمبرر انها مكان لعرض كل سلعة وحاجة ومواد استهلاكية يجدها المتبضع عند مروره وسط مئات البسطيات التي احتلت اي مساحة مكانية لعرض ما يحتاجه المستهلك سواء من الخضر والفاكهة والحبوب واللحوم والالبان..الخ. وتشكل منطقة باب المعظم عقدة الطرق من اطراف العاصمة ومنذ عقود مضت تشهد المنطقة ازدحامات يومية بوسائط النقل وحركة الناس وتواجد العشرات من دوائر الدولة وزخم الموظفين والمراجعين عند مرورهم فضلا عن كثافة طلاب المعاهد والكليات والمدارس..الناس وحركتهم اليومية.. وشاهدنا الاخير اسطورة تنفيذ مجسر الباب المعظم والذي مازال يشكل عقبة في استمرار الفوضى والشكوى..!!


السوق الشعبي المجاور لبناية اسكان طلبة الجامعة.. ومنذ عقود مضت مازال يشكل تشوها وبؤرة لبؤس احواله ومصدرا لكل اشكال التلوث وفقدان النظام العمراني والصحي والاجتماعي والاقتصادي..!!

وبحسب معلوماتنا عن هذا السوق، انه في البداية كان مجرد شارع يربط تقاطع الباب المعظم باتجاه كراج سيارات النقل الخاص وفيه تلتقي خطوط نقل المواطنين بين احياء ومناطق العاصمة بكل الاتجاهات.. ويتميز الشارع بعرضه وارصفته الملائمة حسب تعميم امانة بغداد.. وتطل على جانبه الايسر مبان فيها محلات للعطاريات والمواد الغذائية والاجهزة المكتبية والالبسة وغيرها..


ويظهر ان فرص استثماره تجاريا من قبل الامانة جاء بعد تبرعم وكثرة البسطيات العشوائية مما دفع ادارة الامانة الى الاستفادة منه وتقديمه كفرصة استثمارية لمتعهد يقوم بمنح مساحات بسيطة للراغبين من عرض سلعهم ومعظمها تعرض (الخضر والفاكهة واللحوم والالبان وغيرها) لقاء جباية دورية اسبوعية بعناوين الحراسة والحماية ومنع التجاوز من الغرباء..!


والسير في طريق هذا الشارع العريض صار بعرض لا يتجاوز المتر والنصف واختفت معالم الشارع النظامي بمنحنيات عديدة ومظلات وسقوف تشكل خطورة للمتبضعين وسالكيه يوميا..


روائح كريهة وفضلات المواد التالفة وموجات من الحشرات والغبار واكوام من النفايات تتكدس وعملية رفعها تتم بشكل سلحفاتي من قبل اليات البلدية..!!



عجائب العرض والبيع والمعاملة
اصحاب البسطيات يتنافسون في تنظيم واجهة معروضهم من الخضروات والفواكه بشكل جميل يجذب المتبضع لشراء بكذا كيلو مع وجود تسعيرة واضحة..! لكن عند دفع المبلغ واستلام الكيس الاسود والذي سرعان ما يعقده صاحب البسطية.. وبدافع الفضول والتأكد من المادة.. ترى العجب..!


ومثلا الطماطة من الحجم الصغير ومضغوطة (ممرودة).. والبطاطا ايضا وفيها بقع سوداء..! والتفاح كذلك.. والخيار.. والبصل..الخ
وكلها عند عزل التالف منها ستجدها لاتتجاوز وزن نصف الكيلوغرام..!!


وعند سؤالك البائع عن هذا التصرف (الغش) يسمعك كلاما فضا وساخرا.. ويصل الامر امتناعه عن اعادة ما اشتريته..؟! وقد يسأل احدكم.. عن اللجوء لبسطية اخرى.. ستجد الامر سيان وكأنهم متفقون سلوكيا.. ولايجدي النقاش معهم...!


(ام سلام) موظفة اعتادت التسوق ظهر كل يوم بعد انتهاء الدوام من هذا السوق.. تعلق على هذه الحالة قائلة:
مرارا حاولت تغيير شراء احتياجاتي من الفاكهة والخضر من اكثر من بائع.. لكنهم يسمعونني تعليقات ساخرة وتهكم مستمر.. وصراحة انا مضطرة للتبضع من هذا السوق جراء اسعاره المنخفضة والمناسبة لحالتي المعاشية.


ويكشف لنا في كلام عابر الموظف (ابو زهراء) عن تصرفات الباعة مع الاخرين.. واذكر منها.. عند وضع كيلوين بطاطا في الكيس الاسود على الميزان.. شعرت ان توزينه غير سليم.. فطلبت منه رفع كتلة التوزين (2 كغم) من صحن الميزان.. فرفض وصار متوعدا بالويل وان لا اتدخل بعمله ورزقه.. والا ستصل الامور للفصل العشائري..!!


حادثة تتكرر يوميا.. من المشادات الكلامية والوعيد وسط حالة من الفوضى والتسيب وغياب الرادع الاخلاقي والشرعي والقانوني في العلاقة بين صاحب الحاجة والباعة..


حدثني احد العاملين لدى صاحب البسطية كان يعمل لديه في السابق كشف عن اشكال التلاعب في عملية البيع والوزن.. فاكد لجوء البائع لتحريف عدالة الميزان بوضع ثقل اضافي او قطعة من حديد المغناطيس.. او التلاعب بشكل ويضيف: هناك تلاعب يعتمد خفة يد البائع عند وضع قطع اضافية من البطاطا او الخيار.. فيعمد لضغط القطعة في الكيس الاسود لكي يوهمك بأنه باعك سلعة (دكة ميزان) وهكذا تجري امور التلاعب لغش المشتري..!


ومن وسائل الغش.. ما تعرض له صديق كان يروح زيارة مريض له في مستشفى مدينة الطب.. حين اشترى (3) كغم موز مع عنب اسود وطبعا بالكيس الاسود.. وفوجئ عند فتح الاكياس غرفة المريض.. بأن الموز مضروب ومتهالك والعنب (ممرود) ومتخمر من سوء خزنه..!! عندها شعر بالخجل والاحراج.. رغم ما شاهده من معروض مغر وجميل للموز والعنب..!!


ويصف الحاج محمد (متقاعد) سوق الباب المعظم بأنه من اسوأ الاسواق الشعبية في التعامل والعرض والتلاعب بالاسعار يكاد يكون كل 3 ساعات باليوم..! ولاتسعيرة معلنة في ايام العطل والماسبات..


ثم يزيد.. لاحظ غياب النظافة في زوايا السوق وانتشار برك المياه الاسنة وما تنبعث منه من روائح مقززة.. فضلا عن العرض المكشوف للعديد من المعجنات والالبان واللحوم واسراب الذباب والغبار.. الى جانب فوضى صراخ الباعة وضيق الممر الذي يسلكه المتبضع.. حالة مزرية تعكس تخلفا واساءة لكرامة وحاجة الانسان.


ويضيف.. تصور اصحاب دراجات نارية يتسوقون بهذا الممر الضيق.. فكيف هذا..!؟


سألته ماذا تقترح لاعادة تنظيم هذا السوق..؟


الرقابة والمحاسبة والغرامة لكل من يتلاعب بعمليات البيع والعرض والوزن وفرض التعليمات الصحية والتسعيرة الالزامية..
ودعا الى الغاء البسطيات لانها حالة غير حضارية وتتسبب بانتشار الامراض والتلوث البيئي للانسان والغذاء.. ودعوة ادارة امانة بغداد والبلدية اعادة تنظيم هذه الاماكن والزام اصحاب البسطيات بفتح محلات اصولية من المباني المطلة على السوق ومنها تلك المحلات التي نفذتها ادارة اسكان الطلبة المجاورة..! ثم يستذكر الحاج محمد.. ما تعرض له البسطيات في موسم الشتاء من حالات فتح المجاري ومياه الامطار لمرات في مواسم مختلفة..!


مقارنة وطموح للافضل
في مناطق بغداد هناك اسواق شعبية لها مواصفاتها الجمالية والعراقية رغم قدم تأريخها.. فيها تمثل انشطة تجارية منوعة وخدماتها تكاد مستقرة وهذا يعود لطبيعة العالمين والباعة واصحاب البسطيات فيها.. كما في اسواق بغداد الجديدة.. والبياع والكرادة والثورة (مدينة الصدر) والدورة والكاظمية..الخ


وعلامتها البارزة هي حسن التنظيم في الخدمات والتعامل الانساني بين المتبضعين والتجار الصغار وزيارة خاطفة لسوق (الازرملي) في منطقة العلاوي صورة تراثية متقدمة لما يجب ان تكون عليه اسواقنا خاصة في عرض المواد الغذائية..


فما المانع ان تتوحد وتتعاون اجهزة ودائرة البلدية والمحافظة الى اعادة تأهيل وتنظيم السوق الشعبي لباب المعظم..


وقبل ايام رأيت استمرارية في فتح اكشاك وبسطيات اضافية وبشكل عشوائي ويتم اقامتها دون مراعاة حركة سير المواطنين فالازدحام وضيق الممرات قائم في ظل غياب الرقابة والمحاسبة.. ونعتقد الامر متروك لصلاحية المتعهد كونه صاحب الملكية لهذه الاماكن..!
فيما يتفق معظم خبراء البيئة والصحة والاقتصاد بأهمية توفير اشكال الحماية للمستهلك وضمان حاجته من مواد وسلع نظيفة ومأمونة لحياته.. فهل نسمع مبادرة مسؤوية من الجهات المعنية لذلك؟


المصدر: الاتحاد العراقية