هل نعلم كيف ننظف غرفة المريض؟

لا تزال الأوساط الطبية مطالبة بالكثير والكثير كي تُصنف نفسها ضمن «الصناعات» التي تعلم كيف تدير شؤونها لتوفير الخدمة الأفضل لزبائنها القاصدين لها بغية تلقي المعالجات الناجحة والآمنة.
وما قد يتصوره الكثيرون من غير الوسط الطبي أن كثرة الحديث عن الأمراض الميكروبية المعدية وجهود مكافحة العدوى في المستشفيات، لا بد أنها أفرزت عبر عشرات السنين عددًا من الدراسات الطبية التي بحثت في الطرق الأمثل لتنظيف مكان إقامة المريض في المستشفى، أي غرفة المريض، كمرحلة أولية تليها معرفة الأوساط الطبية بدقة ووفق طرق مدروسة بعناية ومُجربة لتنظيف أقسام الإسعاف التي يتكرر شغل سرير المريض فيها بعدد متكرر من المرضى طوال اليوم، ناهيك عن معرفة الطريقة الأمثل لتنظيف غرف العمليات وغرف العناية المركزة التي ترتفع فيها احتمالات دخول الميكروبات إلى أجسام المرضى وتداعيات ذلك ومضاعفاته المهددة لسلامة المرضى.
ولكن نتائج دراسة طبية جديدة صادرة عن الباحثين من الولايات المتحدة لا تفيدنا بتحقيق الأوساط الطبية تلك التوقعات العالية عن «قتل الموضوع بحثًا» كما يُفترض. وضمن عدد 11 أغسطس (آب) من مجلة «مدونات الطب الباطني» Annals of Internal Medicine الصادرة عن الرابطة الطبية الأميركية AMA، أفاد الباحثون من كلية بيريلمان للطب في فيلادلفيا والتابعة لجامعة بنسلفانيا، أنه يتوفر عدد قليل من الدراسات الطبية التي بحثت في أفضل طرق إجراء كل من عمليتي التعقيم Disinfect والتنظيف Sanitize للأسطح الصلبة في غرف المرضى بالمستشفيات، وهو ما وصفه الباحثون بأنه «نقص مُقلق» في المعرفة الطبية لأمر يُفترض بأنه من «المعارف الابتدائية» في أبجديات توفير إقامة آمنة للمرضى ضمن مرافق تقديم الرعاية الطبية.
وعلق الدكتور كيريغ أمشيد، الباحث الرئيس في الدراسة وأستاذ مساعد للطب الباطني وعلم الأوبئة، بالقول: «صحيح أننا وجدنا دراسات متاحة لتوجيه إجراءات تنظيف غرف المرضى، ولكنها أقل بكثير مما قد يتوقعه أي إنسان للتعامل مع هذا الموضوع الطبي المهم». وعرض الباحثون في مقدمة الدراسة أنه وفق ما تشير إليه إحصائيات وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة، فإن واحدًا من بين كل 25 مريضا مُنوما في أي مستشفى، لديه عدوى ميكروبية التقطها بسبب وجوده في المستشفى Health Care - Related Infections، وأن نحو 721 ألف حالة عدوى مكتسبة في مرافق الرعاية الصحية حصلت خلال عام 2011 أدت إلى حصول نحو 75 ألف حالة وفاة بسبب عدوى ميكروبية مُلتقطة من المستشفى في ذلك العام بالولايات المتحدة وحدها فقط. وأضاف الباحثون أن تنظيف اليدين يستأثر اهتمامًا طبيا كبيرًا في سبيل نجاح جهود مكافحة العدوى بالمستشفيات، ولكن تعقيم وتنظيف الأسطح الصلبة في غرف فحص المرضى وفي غرف تنويم المرضى هو أيضًا كذلك بنفس القدر من الأهمية في ضمان نجاح جهود مكافحة العدوى داخل المستشفيات بين المرضى، وأن ثمة الكثير من الميكروبات ذات الخطورة العالية التي يُمكن أن تنتشر بملامسة الأسطح الصلبة للمنضدة أو الأرضيات والطاولات وقضبان الأسرة وأجهزة التغذية في الوريد ومفاتيح الإنارة ودورات المياه وأزرار جهاز نداء الممرض وغيرها من الأسطح التي يلمسها المريض أو زائروه أو العاملون الصحيون الذين يُقدمون له الرعاية الطبية. وذكر الباحثون كذلك في مقدمة الدراسة أن الكثير من الخبراء الطبيين يعتقدون أن فقط 50 في المائة من تلك الأسطح الصلبة يتم تعقيمها وتنظيفها كما ينبغي خلال عملية تنظيف غرفة المريض.
وقام الباحثون بمراجعة جميع الدراسات التي تم نشرها حول هذا الأمر فيما بين عام 1998 و2014 ووجدوا أن فقط خمسا منها تمت لاستكشاف أفضل السبل لتطهير الأسطح بدراسات مصممة بطريقة دقيقة في البحث العلمي، أي «عشوائية منضبطة» Randomized and Controlled Trials للحصول على نتائج أدق. وأن أقل من 35 في المائة من تلك الدراسات ركز على معدلات انتشار العدوى نتيجة عدم إتمام التعقيم والتنظيف. وأن غالبية الدراسات كانت متجهة لفحص تأثيرات أحد منتجات التنظيف أو التعقيم بدلاً من إجراء دراسات المقارنة «رأسًا لرأس» Head - To - Head Trials فيما بين المنتجات المتوفرة لمعرفة أفضلها وأكثرها فائدة وأقوى مفعولاً في القضاء على الميكروبات ونتائج ذلك على معدلات عدوى المرضى.
من جانبها، علقت الدكتورة فيكتوريا ريتشارد، أستاذة مشاركة في العلوم الطبية بكلية نيتر للطب في جامعة كوينيبياك بكونيتيكت، قائلة: «المستشفى مكان مزدحم ويعج بالفوضى، وكثير من الأشخاص المختلفين يتنقلون بين مختلف الغرف ويلمسون مختلف الأسطح، وفقط بحكم هذا الظرف البيئي فإن من الصعب إجراء البحوث حول هذه النوعية من المواضيع». كما علقت دونا أرميلنو، نائبة رئيس مكافحة العدوى في منشأة نورث شور بنيويورك، بالقول: «يعتمد مسؤولو المستشفيات كثيرًا على إرشادات المصنعين في انتقاء أنواع مستحضرات التنظيف، وهي إرشادات تركز بشكل أكبر على تأثيرات مستحضرات التنظيف على تلك الأسطح البلاستيكية أو المعدنية والمحافظة عليها وعدم تغير لونها وخدش لمعانها، وليس على مدى قدراتها وفاعليتها في القضاء على الميكروبات».
ولا تزال أساليب حماية المرضى، وخاصة من عدوى المستشفيات، تحتاج إلى جهود متواصلة للبحث عن أفضل السبل لتحقيق مكافحة مؤثرة للميكروبات ومنع انتقالها للمرضى، والتطور في هذا الجانب مجالاته رحبة جدًا ومفيدة جدًا، وهذه الدراسة تلفت النظر إلى الحاجة لمزيد من بحث الأوساط الطبية في تلك الأساليب وضمان جدواها