للشعر حرمته الخاصة عندنا. هكذا وردت شتى القصائد التي حققت لأصحابها ورواتها مآربهم. من آخر ما سمعته في هذا الصدد قصيدة الشاعر العراقي اليهودي أنور شاؤل. في أيام الاضطهاد المقيت لصدام حسين ضد البقية الباقية من يهود العراق، كان من تعسفاتها أن ألقى مدير الأمن ناظم كزار بهذا الشاعر في السجن عام 1969. وكان المتوقع أن ينتهي به الأمر على المشنقة، بيد أنه استطاع أن يوصل رسالة ضمنها الأبيات التالية إلى وزير الداخلية صالح عماش، ولحسن حظه كان عماش شاعرًا أيضًا، أو قل شويعرًا، فاهتز بما ورد في الرسالة من شعر: إن كنت من موسى قبست عقيدتي فأنا المقيم بظل دين محمد وسماحة الإسلام كانت موئلي وبلاغة القرآن كانت موردي ما نال من حبي لأمة أحمد كوني على دين الكليم تعبدي سأظل ذياك السموأل في الوفا أسعدت في بغداد أم لم أسعد وكما قلت، اهتز بوقعها الوزير الشاعر فبعث بها إلى أحمد حسن بكر، رئيس الجمهورية عندئذ، فأمر بإطلاق سراح الشاعر اليهودي السجين فورًا. وكان وقعها في أن الشاعر لم ينظمها في سجنه لتصبح نوعًا من النفاق والخداع، وإنما نظمها عندما كان طليقًا في الثلاثينات، أيام الخير. بعث لي بهذه «الحدوثة» صديقي السفير العراقي السابق عبد الملك أحمد الياسين، أطلعت عليها بدوري السيدة نيران بصون تمن، من السيدات اليهوديات العراقيات الفاضلات، فذكرت لي أن الحكاية كما سمعتها وقرأتها هي تعلقت بأستاذنا الفاضل مير بصري، رئيس الطائفة اليهودية عندئذ. وكان هو الآخر من شعراء اليهود العراقيين وله قصائد بليغة. كانت المخابرات العراقية قد زجت به في السجن في عهد صدام حسين. وبعد أن مضت عليه نحو ثلاثة أشهر في السجن خطر له أن يبعث بالقصيدة ذاتها كتعبير عن مشاعره الخاصة. وكان لها وقع مشابه، إذ أمر صدام حسين فورًا بإطلاق سراحه والسماح له بمغادرة العراق، حيث استقر في لندن كسواه من النخبة العراقية المغتربة. ويظهر أن القصيدة قامت بدورها المشكور في مناسبتين مختلفتين ولشخصين مختلفين، وهذا خير تعبير عن براعتها.
|