جُلَ من لا عَيب فيه |
أن كل إنسان فيه عيب من العيوب لا يخلوا منها احد وقد قيل قديما (جل من لا عيب فيه )والإنسان يختلف عن الحيوان بكونه يحب السمعة والمكانة الاجتماعية وكثيرا ما يضحي الإنسان بالمال في سبيل لقب يحصل عليه أو شهرة ينالها . ولو درسنا طبيعة الإنسان دراسة موضوعية لوجدناه يجري وراء الشهرة جريا لا يقف عند حد وهو كلما ازداد اشتهاره بين الناس ازداد هو سعيا في سبيل تدعيم الشهرة وحرصا عليها وهذا هو سبب مانرى من حب للقيادة والزعامة في المجتمعات التي تقدر القادة والزعماء فإذا رأيت الجماهير تصفق لقائد ما وتركض وراءه وتلهج بذكره فاعلم أن القائد سوف يعمل المستحيل في سبيل إرضاء تلك الجماهير , إن القائد ليس ملاكا يختلف عن الناس انه يطلب الشهرة والمكانة كغيره من الناس فإذا رأى الشهرة لاتأتي إلا عن طريق التضحية والخدمة العامة فانه لا يجد مناصا من السير في هذا الطريق الوعر وكثيرا ما يظن البعض من الجماهير بان القائد أو الزعيم مخلص بطبيعته أو هو مجبول على التضحية من تلقاء نفسه , وهذا في الواقع رأي غير صحيح .ومشكلة المشاكل في مجتمعنا الراهن انه مزدوج . فهو يريد قائداً ولكنه لا يملك في نفسيته نزعة التقدير اللازمة لظهور القادة والزعماء . أن المجتمع المزدوج يقل فيه ظهور القادة والزعماء الأقوياء في الغالب . فكل قائد أو زعيم يظهر في هذا المجتمع يقابله الناس بالجدل والشغب والانتقاد . إن القائد أو الزعيم يصنع الأمة وهي تصنعه في الوقت ذاته فالأمة لا تستطيع أن تجعل من شخص ضعيف قائداً أو زعيماً وكذلك لا يستطيع الشخص الموهوب أن يكون قائداً في امة لا تقدره .والقائد لا يعتمد في قيادته على مواهبه فقط إنما هو يعتمد أيضا على تقدير الناس له وتشجيعهم إياه والقائد في المجتمع المزدوج لا يجد تشجيعاً أو تقديراً إلا بمقدار ضئيل . ومن الظواهر النفسية التي تلفت النظر في أولي الشخصية المزدوجة هي أنهم يحبون من لا يحترمونه ويحترمون من لا يحبونه فتجد هناك فرقا كبيرا بين محبة الناس واحترامهم , وقد وصف مكيافيللي مجتمعه الذي كان يشبه في ازدواجه مجتمعنا الحاضر , فقال :(من الممكن أن يقال بوجه عام إن الإنسان منافق سليط اللسان منكر للجميل يحب الربح ويكره الخطر وما دمت تنفعه فهو من أتباعك إذ هو يقدم في سبيلك دمه وروحه وأمواله وأطفاله .والأمير الذي يعتمد على أقوالهم وحدها يحطم فالصداقة التي ينالها بالشراء لا تبقى وقد تنقلب عليه في لحظة ) , ويقول مكيافيللي أيضا : ( إن من الصعب أن يكون الأمير مهيبا ومحبوبا في أن واحد , ولو خيرت بين أن تكون مهيبا ومكروها أو تكون محتقرا محبوبا فالأسلم أن تختار المهابة بدلا من المحبة . فالناس لا يتورعون أن يؤذوا المحبوب , ولكنهم لا يقدمون على إيذاء المهيب فالحب عاطفة لا تلبث أن تخمد إذا نالت مرامها , أما المهابة فيسندها خوف العقوبة وهذا أمر لا مفر منه), ومن يقرا وصف مكيافيللي هذا يحسب انه يقرا وصفا لأهل العراق "حسب رأي د.علي الوردي " فكثيرا ما نجد الناس هنا يحبون إنسانا ولكنهم لا يقدرونه أو يحترمونه فهم يسخرون منه ويضحكون على ذقنه , وقد يرمونه بالسفساف من القول احتقارا له . وذلك بحجة أن من احبك أذاك. والإنسان الذي يشعر بكرامته يفضل أن يكون مهيباً بين الناس محترماً , على أن يكون محبوباً تحنو عليه القلوب .
|