مياه المالكي الراكدة

 

لم أكن أدري أن دولة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، انسان مرح يحب النكتة ويرويها للآخرين ، ليس في مجالسه الخاصة وحسب ، بل حتى في أحتفال أنتخابي . سألت بعض أصدقائي القدامى ، الذين عرفوا دولته ، عندما كان يقيم في بيت متواضع في حي " كوران " الشعبي بمدينة أربيل، و يحضر أحيانا بعض المجالس الفكرية والأدبية في دواوين بعض الشخصيات الأربيلية . فقيل لي أن جواد المالكي ، كان باطنياً على حد وصف صديق عزيز ، كان يحضر مع المالكي بعض تلك الجلسات . قلت لصديقي : ماذا تعني بالباطني ، هل كان الأخ جواد صوفياُ ؟ قال : كلا ، بل أقصد أنه كان أنساناً غامضاً ، قليل الكلام ، حسن الأصغاء للآخرين .قلت هذه صفات حميدة ، فما الذي حول جواد الي نورى ، قال نشوة السلطة و مباهجها . لست خبيراً في علم النفس ولا أدعي أنني قادر على تفسير هذا التحول من شخص باطني غامض وجاد ، الى أنسان مرح يعشق النكات و يلقي الخطب العصماء في كل مناسبة ومن دون مناسبة . النكتة التي أطلقها دولته خلال احتفالية الاعلان الرسمي لقائمة" دولة الفافون " * كمنافس انتخابي هي ان ائتلافه أنقذ العراق من الأنهيار وحافظ على وحدته . قال دولته ذلك دون ان يرف له جفن ، مما يدل انه كان يمزح مع العراقيين . أستمتعت بهذه النكتة واخذتني نوبة ضحك ، و شكرت دولته على هذه اللحظات المرحة النادرة ، لأنه حرم العراقيين من الضحك والفرح منذ أن جلس على ذلك الكرسي الساحر ، الذي يغير الأنسان من حال الى حال . بعد كل الخراب ، الذي حل بالعراق على يد دولته في شتى جوانب الحياة ، و بعد تصفية غرمائه السياسيين الواحد بعد الآخر عن طريق فبركة التهم المزيفة ضدهم . وبعد ان دق أسفين الشقاق وزرع الفتنة الطائفية في المجتمع العراقي و أطلق العنان للميليشيات المسعورة. وبعد الأستفزاز المتواصل لأقليم كردستان المزدهر و أفتعال الأزمات معه ، ومحاربته حتى لحلفائه الشيعة في التحالف الوطني ( التيار الصدري ، المجلس الأعلى ) المالكي فقد ثقة الشعب وقواه السياسية وبات معزولاً أكثر من أي وقت مضى ، ولم يبق الى جانبه الا زمرة من الأنتهازيين المنتفعين من " دولة الفساد " . العراق اليوم و بشهادة العديد من السياسيين و المحللين المحليين و الأجانب على حافة الأنهيار والتقسيم الفعلي بسبب سياساته و نزعته في التسلط وهوسه بالكرسي الساحر . بعد هذا كله يأتي دولته ليعلن أنه أنقذ العراق من الأنهيار. ويا ليته أكتفى بهذه النكتة المضحكة و المحزنة في آن واحد . فقد اضاف دولته "ان شاء لله ستحصل دولة القانون على الاغلبية السياسية حتى تتمكن من تمشية المياه الراكده". واذا كان هذا اعترافاً متأخراً بأن العراق يمر بحالة ركود ،.فأنني أعتقد أن دولته متفائل أكثر من اللازم ، لأن الحياة ليست راكدة في العراق وحسب ، بل أنها تراجعت كثيراً في شتى الميادين ( التنمية ، البنى التحتية ، التربية و التعليم ، الصحة ، الحياة الأجتماعية و الثقافية " و القائمة تطول ... )، حتى لم يجد وزير ثقافته قاعة أو مسرحا لائقا في بغداد كلها لحفل أفتتاح " بغداد عاصمة للثقافة العربية " غير خيمة بدوية بائسة في حديقة الزوراء المليئة بالقمامة . لا شك أن المالكي ، كعادته كان يسخر من العراقيين و يستهين بعقولهم ، رغم انهم تحملوا خلال سنوات حكمه العجاف ما هو فوق طاقة البشر من ظلم ومعاناة ومن كابوس الموت اليومي المجاني بعد ان أحتكر دولته الملف الأمني . لو كان أي شخص آخر في مكانه لأنتحر منذ زمن طويل ، ألم ينتحر المغفور له عبد المحسن السعدون عندما أنتقده بعض أعضاء المجلس النيابي في العهد الملكي ؟ أو أستقال من منصبه ليريح و يستريح .ولكن دولة نوري المالكي ، لا يفكر بالأنتحار ولا بالأستقالة رغم أنه حول حياة العراقيين الى جحيم والعراق الى أسوأ بلد للعيش في العالم . وهو لا يفكر في ترك الأمور لعقلاء البلد ، ما دام في مقدوره الضحك على الذقون وشراء الذمم بمليارات النفط ، التي يسيل لها لعاب قياديي ائتلافه ولعاب ضعاف النفوس العائدين الى حضنه الدافيء في المنطقة الخضراء المرفهة المحصنة قريبا من سفارة الدولة التي نصّبته حاكما على العراق . حتى كبار المسؤولين الأميركيين يقولون ان العراق على وشك التقسيم وقلقون على وحدته أكثر من المالكي ، فأية نكتة سمجة تلك التي أطلقها دولته في أحتفالية " دولة الفافون " ------------------------ *كان الدكتور نزار أحمد أول من أطلق هذه التسمية على ائتلاف " دولة اللاقانون " وهو اسم يعبر عن جوهر هذا التجمع الرخيص للمنتفعين من حكم المالكي ومن نهب المال العام السائب .