من يخشى صائدة الرؤى ؟؟

أخذت نفَساً عميقاً
من غليون عراف هندي
يدّعي معرفة هندسة الغيب ودهاليزه
أجوب بين دخان غائم لغياهب الروح
تسرب من شقوق جفت منعاً لتخثرها
يصبح السمع دقيقاً مرهفاً كأول الخلق
أصيخ هناك، فيتناهي لي هنا
دبيب نمل دؤوب في زوايا ومخابئ الذاكرة
يصبح الأمر تلقائياً كصرخة مولود
فتقرأ الأشجار أفكاري وتهمسني
استسلمي، تسلمي، سلمي
أأسلم عقلي ومخابئه وعنفوانه؟
هو آخر قلاعي وترسي المنيع
من سيحميني؟ هو حصني وذَودي
من ألأنا، النحن والهمُ
ولكن نهم المعرفة أقوى
ومشوقة هي تلك اللعبة
لتستحق تلك المجازفات اللعينة
تتعلق الرؤيا بتلابيبي
كما أقراط فضة شرقية بأذني
وتطير بعقلي كما ترفع النسمة أطراف تنورتي
الى فنار دائري أبيض الأقواس
بلا أبواب ولانوافذ
في وسط محيط لامحيط يحده
لاتستر عريه
غير ستائر حرير سندسي الألق
تنسلّ روحي منزلقة
من بين أطرافها
كما تنسل أنثى بغنجٍ
من بين أطراف حبيب متيم
متسربة من أقواسه العتيدة
متسللة هاربة مع صقر بهي الطلعة
لأترك ورائي ماضيا سحيقا منسيّ الهيئة
تتعاون الآلهة والعراف ورؤياي
في إعادة خلقي
لأتحوّر وأبدأ بخلع
جلدي وشعري أولاً
ورويداً رويدا
أصل فأخلع وعيي ولبّي
ليكسيني ريشا أسود، رماديا أبيض
يتلاشى وجوداً الى آخر
تحت مسميات آخرى
عينان تملآن وجها
كله إنقضاض وتأهب
صقر غير آبه باللحظة
جناحاه هما لحظته
نقتفي أثر رائحة حريق مسعور
نهم أناس في أناهم وأناتهم
تقوده جناحاه لمدينة باهتة اللون
كفيلم قديم، تفجع عيناه
لمرأى أشلاء مدنٍ
لم يبق من معالمها
غير هياكل تصرخ الصمت الممزق
رافعة خرسانتها المعدنية
مبتهلة اليه أن يطلق عليها
طلقة الرحمة
الا ويفعلون ذلك
عندما يفقد الجواد أعز مايملكه؟
أفليس لك ياصقرُ
قلب ينبض فتريحنا
من عذاب أخترناه ليمزقنا أشلاء؟
ولكن أنى للصقر ذلك
فما شأننا فيما يسمّى منطقا لامنطقي
تتركهم جناحاه ليحلق في الريح
بين دفات ريشه والشمس تعكس
ضياءها من سطح محيط صافي النوايا
آنفاً لعالمٍ صدئِ الأخلاق
تلفه على حين غرة
روائح بهارات حارة الدفق
تلامس أطراف ريشه فتكويها قليلاً
سماء قانية الحمرة بحريقها المستعر
هي أقرب للموت عشقاً مبهراً
من حياة باهتة بلا طعم
سكون يصم الآذان
فيخفق قلبانا جذلاً ونرقص
لأصوات ألم موسيقية لانعلم مصدرها
فليس مايزين السماء غير
محراب هندي بآلهته المتنوعة
راقصة باكية متضرعة منتشية مستسلمة
تعظ كل من يصلها بحكمها
لعالم مسوخ الضمائر
يعتاش مهمشاً على الهوامش
تنادينا الآلهة أن نحط الرحال
مالنا ودعاء الآلهة
فدربنا ليس درب الأرباب
نعاود التحليق على جناحي الحرية
لنبصر أرضاً، تغطيها أشجار سنديان
ترنو الى السماء فترفّ بأغصانها
لتحمي الشمس بظلالها
هل هي محطتنا الأخيرة وملاذنا؟
الروح عطشى والقلب أدمى
كفانا غربة وهجرة
نبدأ بالهبوط ونخلع آخر ماتبقى
فيصبح الريش أبيض نقياً
وعندما أصل أحط وأنا بومة
بحفيف أجنحة لاتكاد تُسمع
على أرض ثلجية لاذعة الدفء
لنحتضن الرؤيا ونكوّن البياض الأعزل
يفيقني العراف الهندي
ويقول لي ياإبنتي
سبرت البحار والوديان والجبال
خضت حروبا وآهات وحشرجات
شممت رقصات الآلهة
غنيت عزلة المحيط
لم تخشٍ كل ذلك
أردت التحليق مع غليوني للوصول
لمعرفة ماوراء الوراء اللامتناهي
وهاقد وجدت البومة ضالتها
لاتسألينني فأنا التلميذ بين يديك
أقف حائراً مكتوف العقل
مرضك ليس بداء
إنما أنت الدواء!