التجار المتضررون من أن يصبح ماء الحنفية معدنيا يغني العراقيين عن شراء القناني المعبأة قد يسطون على روح المشروع نافذين الى خنقه من ضمائر متحكمة بصيرورة العراق الذي بات ريشة في مهب المفسدين! توشك أمانة بغداد، على إنجاز مشروع عملاق؛ لتصفية مياه الشرب، بالأوزون؛ أي انها ستسيل عبر حنفيات البيوت، مياهً معدنيةً، بسعر حكومي مدعوم، شبه مجاني، من شأنه إغناء المستهلك عن القناني المعبأة في دول المحيط الإقليمي، التي لا تمتلك أنهارا بالأساس؛ ما يجعلها محاطة بشكوك تكاد تؤكد نفسها. تدور الشكوك حول تصنيع المياه المعدنية، وتعبئتها، داخل العراق، وتسويقها الى المستهلك المحلي، على أنها مستوردة، بل يقال أنها تهرب الى الخارج، وترد تجاريا، عبر المنافذ الحدودية. ولأنها من الضرورات الشديدة المساس بحياة البشر؛ فهي معفوة من الضرائب، التي لن تشملها مهما تعاقبت القوانين وتتابعت تعديلاتها، وتلك قضية إنسانية معمول بها في كل دول العالم، بل وتستورد بسعر باهظ وتباع في الأسواق.. للمستهلك بسعر رمزي. وفعلا نجد ثمن قنينة الماء 250 ديناراً.. زهيدا جدا. صحراء سأترك موضوع ماء الحكومة المعدني، ذاهبا الى قصة عاشها آباؤنا مطلع السبعينيات، وأربطها من جديد بالقضية: نظرا لوفرة رمل الزجاج، في صحراء الأنبار، بجودة وسهولة إنتاج كافيتين لتفرد العراق بالإنتاج العالمي قاطبة، بحيث تعتمد الدول علينا، ولا تصنع في بلدانها؛ لرخص وجودة زجاجنا، عندما تستورده منا، قياسا بإنتاجها محليا داخل أراضيها. أية نعمة تلك؟ وهل عاقل من يفرط بها؟ خاصة وأنها من دون منافسة دول (أوبك) ولا خباثة الأشقاء في (أوابك).. إنما منطقة حرة لنا وحدنا لا يجارينا فيها أحد، فليس في العالم صحراء رملها زجاج، سوى العراق! فعلا تنبهت حكومة أحمد حسن البكر، آنذاك، للأمر وأنشأت معمل (الرمادي) لتصنيع الزجاج؛ فإلتفّت عليه شركات عالمية، وبذخت الرشاوى بسخاء؛ لمنعه، ولما عجزت عن ذلك، إزاء صرامة حكومة قوية.. حتى وإن كانت جائرة، كما يطيب للبعض ان أجاملهم.. لكنها أصرت على إتمام المشروع... (كان بودي ان أقول على أكمل وجه، لكنه ليس كذلك). نفذوه لكن إتضح ان المهندسين الذين تقاضوا رشاوى؛ لتعطيل المشروع، ولم يفلحوا؛ صمموا المكائن على إنتاج (إستكانات) عوجاء، لا تركد في الصحن، وصحون غير صقيلة، مع ان رمل الزجاج الأنباري مصقول من ربه، وهذا هو سر إنخفاض تكاليف إنتاجه؛ لأن المرحلة الأصعب والأبهظ هي التنقية، وزجاجنا نقي في الأرض، من دون مختبرات ولا معالجات كيميائية. كما تمكن المرتشون من الحيلولة دون أن ينتج المعمل شيئا مهما ذا بال، بل ظل (بطرك) الإستكانات العوجاء.. والخوف كل الخوف، أن تعاد الكرة مع أحواض تصفية الإسالة الجديدة، التي ستنتهي منها أمانة بغداد قريبا إن شاء الله. سم فالتجار المتضررون من أن يصبح ماء الحنفية معدنيا؛ يغني العراقيين عن شراء القناني المعبأة، قد يسطون على روح المشروع، نافذين الى خنقه، من ضمائر رخوة، تتحكم بصيرورة العراق، الذي بات ريشة في مهب المفسدين! ربما يسلطون مختبر سموم يصب حقدهم في الأحواض.. وربما يعترضون الأنابيب تحت الأرض، يداهمون مسالكها لتنحرف نحو مجاري المياه الثقيلة.. وربما وربما.. ألف ألف ربما مريبة، قابلة للتحول الى واقع في عراق مشرع لمصالح المنتفعين على حساب الوطن والمواطن. الخطر ليس محليا فقط؛ لأن العراق بات سوقا لكل شيء، حتى سكراب دول الجوار، الذي يستورد من دون أسباب معلومة؛ و... ثمة من يلزمون الموظفين بالتوقيع على ما لا يحتاجه السوق المحلي؛ وهذا يعني ان الأفراد المنتفعين من إستيراد مشكوك به للمياه المعدنية، مرتبطون بمصالح دول قد تُقدِم على قصف مشروع التصفية، حفاظا على مصالحها، وبتواطئ داخلي، يتراءى لي، مثل حلم يقظة.. بين الصحو والمنام. مباركة جهود الأمانة، متمنين عليها أخذ الحيطة، والتحلي بالحذر.
|