الإمارة والحجارة

 

الحرية .. كلمة
دلوني على عربي منصف ، يشرح لنا : لماذا بقيت الكويت بؤرة التآمر على العراق لحقب طويلة ومنذ أن أوجدها البريطانيون أسفل الفاو ، ورسموا خريطتها بالخطوط المائلة والألوان الفاقعة على صفحة صفراء ، بلون الرمال ؟.
ومنذ أن أمسك ضابط برتبة ماجور ( برسي كوكس ) قلمه الأحمر ، وشطب به على الخرائط ، ووقف يملأ يديه بقبضة من رمال الصحراء ، وقد أمال وجهه إلى أسفل ، كلما ضغط على يديه تسربت منها الرمال . لينادي بعدها ، كما تروي كتب التاريخ والوثائق الرسمية ، على أسرة من بدو ( العتوب ) من أسرة الصباح ، اختلفت بينها يوماً على قائمة حساب بعشرين ليرة عثمانية  ، ويقول لهم بطرف لسانه المعووج : 
هذه حدود دولتكم الجديدة ؟!. 
والمفارقة إن العشرين ليرة تطورت إلى قصور من ذهب وعزّ ، وسال المال من خزائن النفط بغير حساب . 
دلوني على مؤرخ منصف ، يستطيع أن يشرح لنا : ما العقد النفسية التي تتحكم في الكويت ، منذ أن فكّ المستعمر البريطاني ارتباطها لتصبح إمارة بعد أن كانت ميناء صغيراً ملحقاً بميناء البصرة الكبير . ولم يكن اسم ( الكويت ) سوى تصغير في اللغة لاسم ( الكوت ) المدينة العراقية التي تعني الحصن والخندق ، ولتكسر الحاجز عند القلب ؟. 
دلوني على عالم نفسي ، يشرح لنا : لماذا يقضّ العراق الكويتيين في مضاجعهم ويفزعهم في عزّ النهار ، حتى ليبدو لهم شبحاً مخيفاً أكثر من أي مشهد رعب وكابوس اشتهرت به روايات كافكا ؟. 
بصرف النظر عن ما جرى مؤخراً مع بيوت عراقية في أم قصر ، فإن هذه الإمارة تحاول كلما سنحت فرصة أن ترمي علينا حجارة ، وأن تستفز روح العراق ، وتجاهر بكراهيته ، وتؤلب عليه أعداءه ، وتتضايق عندما ترى مواطناً عراقياً يتنفس الهواء . وهي مستعدة أن تفعل كل شيء ، ولا تسمع أن هناك بلداً بقي على وجه الأرض ، اسمه العراق !.
فما هذه الهستيريا الكويتية من كل خوصة سعف في نخل العراق ، وكل ذرة رمل من ترابه ، وكل قبة طاهرة من قبابه ، وكل نجمة في سمائه ، وكل قطرة ماء من دجلته وفراته ؟.
يقيناً إن الكويت في علاقاتها مع العراق تحتاج إلى طبيب نفسي من طراز العالم ( سيجموند فرويد ) يشرح لها عقدة تاريخية قديمة اسمها ( قابيل وهابيل ) .
فها هي في كل مرة تتعنّت وتقضّ مخالبها ويأخذها الصلف ويركبها الغرور ، وتفتعل أزمة تلوها أزمة . فما الذي على العراق أن يفعله حتى يرضى عنه أحفاد مبارك الكبير ؟.

ويقيناً لو أن أي فتىً من فتيان البصرة تسلّق نخلة في بساتين أم قصر ونظر إلى خارطة الكويت لرآها بحجم لعبة أطفال .
وعلى الذين يشربون كؤوساً من رحيق الورد ويبنون قصوراً من ذهب ، ويتغنون بعذابات العراقيين ومواجعهم وسرطاناتهم ، أن يعلموا إن العراقيّ ما زال يكظم في صدره صبر أيوب . أمّا إذا نفذ صبره وحان وقت الحساب . فإنه ، بصرف النظر عن موقف حكومته ، سيكسر الكؤوس فوق الرؤوس !.