ظهر في التاريخ الحديث زعماء سياسيون حققوا إنجازات كبيرة لشعويهم, مما دفع بتلك الشعوب الى اعادة انتخابهم مرات عدة, قادوا خلالها بلدانهم الى مزيد من الرقي والتطور. أحد هؤلاء الزعماء هو لي كوان يو باني دولة سنغافورة الحديثة الذي تولى حكم البلاد منذ استقلالها عن ماليزيا عام 1959 ,لتتحول سنغافورة في عهده الى واحدة من أسرع الإقتصاديات نموا في العالم , حيث ترى مظاهر ذلك النو في تلك الدولة التي لا يسع المرءإلا أن ينبهر برقيها وتطورها ونظافتها.
المثال الآخر هو رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد الذي حكم البلاد لأكثر من عشرين عاما حول البلاد خلالها الى دولة يشار لها بالبنان وعلى مختلف الصعد, فكسب محبة شعبه الذي اعاد انتخابه مرات عدة. كانت احد إنجازاته بناء مدينة بتروجايا التي نقل لها كلفة مؤسسات الدولة في خطوة تهدف للقضاء على الروتين والبيروقراطية.
واما في منطقة الشرق الأوسط فخير شاهد على ذلك المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم اللذان حولا تلك الصحراء القاحلة الى واحة لجذب رؤوس الأموال والسياح من شتى بقاع الدنيا.
تلك الدول انتشلها هؤلاء من مستنقع الفقر ورفعوها الى مصاف الدول الغنية والمستقرة الآمنة , فحازوا على محبة واعتزاز شعوبهم التي كتبت أسمائهم بأحرف من ذهب. لم يكن هؤلاء يملكون اموالا ولم تكن لبلدانهم موازنات مالية خيالية عندما حكموها, لكنهم نجحوا ورغم ذلك في بناء بلدانهم وزيادة احتياطاتها المالية.
وعند مقارنة ذلك بالعراق فيمكن معرفة الطامة الكبرى التي وقعت فيه. فبعد سقوط النظام الصدامي عام 2003 تسلم حزب الدعوة الإسلامية حكم العراق , تولى خلالها ثلاثة من قادته رئاسة الوزراء, كان ابرزهم امين عام الحزب الحالي نوري المالكي الذي حكم البلاد لثمان سنوات متتالية. كان مجموع موازنات العراق فيها طوال سنوات حكمه قرابة الألف مليار دولار, لكنه سلم البلاد لخلفه العبادي بعد أن حقق فشلا ذريعا على كافة الصعد.
فعلى الصعيد الأمني فإن ثلث البلاد سقط بيد تنظيم داعش الإرهابي بعد ان فشل المالكي في اعداد جيش يدافع عن البلد ,ويقف بوجه بضع مئات من الإرهابيين, فيما أصبح ملايين العراقيين نازحين في أوطانهم. ترك العراق والتفجيرات تضرب مدنه مزهقة أرواح الآلاف. سلّم خزينة العراق للعبادي وهي خاوية وبعد موازنة انفجارية بلغ مقدارها 140 مليار دولار عام 2014.
الأزمات تعصف في العراق بدأ من ازمة الكهرباء والماء الصحي وانتهاءا بأزمة المجاري. واما الإعمار فلاوجود له الا على الورق وعبر العقود الخيالية التي وجدت طريقها الى حسابات العصابة الحاكمة. عقارات الدولة وأراضيها أصبحت نهبة لعصابة المالكي. وفوق كل ذلك ان سيرته ألحقت ضرارا بليغا بالحركة الإسلامية ولعل شعارات المتظاهرين في العراق خير شاهد على ذلك.
إلا انه وبرغم كل ذلك الفشل الذريع فلايزال يرى الكثير من العراقيين في المالكي زعيما وطنيا وتاريخيا خالدا! فعند مقارنته بمهاتير محمد أو لي كوان يو او محمد بن راشد, فهو لا يساوي ذرة تراب على نعل هؤلاء. فكيف انقلبت المقاييس, وكيف أصبح الفاشل والفاسد والدكتاتور , زعيما وطنيا؟
إنها الألف مليار دولار التي أنفق المالكي جزءا كبيرا منها لشراء الذمم من كتاب واعلاميين . انه المال الذي يمول قنوات فضائية تلهج بمدح المالكي, إنها عقود الفساد التي يغدق بها المالكي على سياسيين وشيوخ عشائر ووجهاء لشراء أصواتهم. وإنها الأموال التي اشتري بها ذمم المسؤولين في هذه الدولة او تلك. وأما خير معين له على ذلك بعد المال, فهو الجهل المستشري في البلاد بفضل سنوات الحصار والظلم الصدامية التي استثمرها المالكي أفضل استثمار.
سوّق المالكي لإمضائه لقرار اعدام صدام حتى تناسى أصحابه ان من أسقط صدام والقى القبض عليه هو الجيش الأمريكي بقيادة جورج بوش, وان من أصدر حكم الإعدام عليه هو القاضي الشجاع عبدالرؤوف رشيد. وسوق اصحابه لكذبة كبرى مفادها أن المالكي وقف بوجه الطموحات الكردية, وواقع الحال ان إقليم كردستان أصبح اليوم اكبر مساحة مما كان عليه وقبل استلام المالكي للحكم, وان الإقليم أصبح مستقلا اقتصاديا وسياسيا أكثر من ذي قبل.
إنها الألف مليار دولار التي يمكنها أن تصنع من الحمار زعيما ولكن زائفاً!
|