دمج وزارة البيئة بوزارة الصحة.. خطأ لا يُغتفر يا رئيس الوزراء

قد لايختلف اثنان على أهمية الإصلاحات التي شرع بتنفيذها رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في بقعة من الأرض كانت يوماً ما (دولة) ، فالرجل بدأ برأس الهرم فاجتث منه المفسدين وأصحاب المناصب التي (لا تحل ولا تربط) ممن يتقاضون رواتب ومخصصات تكفي لتبليط أرضية بيوتهم بالذهب كما يقول مركيز !

لكن أية حملة من هذا النوع لابد أن ترافقها أخطاء أو عدم انتباه لبعض الامور أو النظر اليها من زاوية واحدة ، وإصلاحات العبادي أكثر عرضة للأخطاء نظرا لسرعة تنفيذها والقرارات الإصلاحية التي نتفاجأ بها من حين لآخر ، والخطأ الذي وقع فيه العبادي خلال تنفيذه الإصلاحات الحكومية هو دمج وزارة البيئة بوزارة الصحة بحجة أن اختصاصيهما متقاربان .

ففي الوقت الذي بدأت فيه معظم دول العالم ومن بينها أفقر الدول باستحداث وزارة للبيئة ، وبينما يستحدث إقليم كردستان وزارة للبيئة ، تقرر الحكومة العراقية إلغاء هذه الوزارة المهمة ضمن مبدأ الترشيق الوزاري .

العجيب أن الدكتور العبادي إنسان ذو ثقافة عالية ، رجل أكاديمي مخضرم يحمل شهادة دكتوراه حقيقية وليست مزورة كشهادات العديد من المسؤولين ، وهذا ما يجعل خطأ العبادي بإلغاء وزارة البيئة لايُغتفر !

فكيف تدمج وزارة البيئة بوزارة الصحة يارئيس الوزراء وقضية البيئة باتت في كل دول العالم تتعلق بمصير البشر المهدد بالزوال نتيجة الاحتباس الحراري والتلوث بدخان المصانع والسيارات والنفايات النووية والصناعية وأبراج الإتصالات (أبراج الموت المسرطنة) وإزالة التشجير وانتشار الألغام القاتلة والمقذوفات الحربية غير المنفجرة ومخلفات الحروب وآثار اليورانيوم ؟! كيف تُقدم على هذه الخطوة المتسرعة يا رئيس الوزراء وأنت شخص يفترض أن نتعلم منك ومن خبرتك أن نجعل قضية البيئة (مقدسة) وأن نربي أطفالنا على كيفية حمايتها وصيانتها .

العراق اليوم يارئيس الوزراء يمثل أسوأ بيئة في العالم على الإطلاق ، هيروشيما وناغازاكي اليوم يتمتعان ببيئة أنظف من بيئتنا القاتلة ، إقرأ النسب التصاعدية لأعداد ضحايا السرطان في الوسط والجنوب ، إقرأ التقارير عن مخلفات الحروب والألغام التي تزخر بها أرضنا ، بيئتنا ما عادت تصلح لعيش البشر والناس ينقصهم الوعي البيئي الكافي ولايعلمون بحقيقة المصير الذي يتربص بهم وبأبنائهم ، وبعد كل ذلك تأتي ببساطة لتُلغي وزارة البيئة وتدمجها بوزارة الصحة وأنت الرجل المثقف الذي فوّضناك رسمياً لتباشر بالإصلاحات ونحن مؤمنين بصحة ما تتخذه من قرارات ؟!

لو كان من اتخذ هذا القرار شخصاً عادياً لتركناه يفعل ما يشاء بعد أن يئسنا من قادة هذا البلد ، لكننا نعتب عليك يا رئيس الوزراء ونسدي إليك النصح لأنك إنسان جاد في الإصلاح وبرهنتَ لنا على نواياك الطيبة تجاه شعبك ، ننتقدك لأنك تتقبل النقد برحابة صدر ، فما تقتنع به من نصح تعمل به وتطبقه استجابة للناصح ، وما لاتقتنع به لاتعمل به ، ولكن ألا تعتقد اليوم ان إلغاء وزارة البيئة يعد كارثة في بلد بيئته مدمرة كالعراق ؟! الأمر بحاجة الى إعادة نظر ، وليس عيباً أن تتراجع عن قرارٍ اتخذتَه ، لكن المشكلة تكمن في المضي بقرارٍ خاطئ .