يقاس التقدم الفكري للدول من خلال عدد العلماء والمفكرين الموجودين فيها ، ودرجة التراكم العلمي الناتج لديها ، وكتشخيص دقيق لهذا الامر تصبح قضية الاهتمام بهذه الشريحة ، قضية حتمية لابد منها ، اذا ما اريد بناء دولة عصرية بالبشر والوسائل معاَ ، حيث أن اضافة الحلقات الفكرية الى التراكم العلمي وامتلاك ناصية العلم يكون من خلال استثمار الطاقات الفكرية المبدعة. وإذا ما نظرنا الى ما في القرأن الكريم والحديث الشريف وكلام الحكماء والادباء في العلم والعلماء وجدناه الهدف الذي تهفو كل الافئدة إليه ، وتتنافس كل الأمال والأماني فيه ، إذ أن ديننا الإسلامي حث دائما وأبداً وعمل من اجل الإرتقاء بفكر الإنسان ، وتعامل مع الإنسان على اساس أنه بنيان الله وقيمة عليا في المجتمع.
إن الحقائق الدامغة آنفة الذكر هي التي دفعت الكُتاب والمنظرين أن يعدوا البشر رأس مال ينبغي أن يستثمر للإفادة من أمكاناته وطاقاته للبناء والاكتشاف والتحليل وإعادة التركيب والابتكار والإبداع في استثمار باقي رؤوس الأموال ، وبهذا الصدد أكد الاقتصادي المعروف مارشال في كتابه "اصول الاقتصاد" حقيقة مهمة مفادها الأتي: " ان اثمن ضروب رأس المال هو ما يستثمر في البشر" لان رأس المال البشري يتميز بسمة لا تتوافر في غيره ، هي أن منحنى انتاجيته يتصاعد بنفس اتجاه منحنى خبراته ومهاراته ، وان عمره المعنوي يتجدد مع تغيرات العصر ولن يندثر إلا بتوقف عمره الزمني ومعنى ذلك انه لا يخضع لقانون المنفعة المتناقصة.
ولهذا فأن الاتجاهات المعاصرة في الإدارة الحديثة تتجه نحو معالم موضوع جديد يهتم بالموجودات البشرية اكثر من الموجودات المادية ، لان الاضافة والتعظيم في الموجودات المادية يأتي بفعل توافر الموجودات البشرية ، وهذا الموضوع بأبعاده الجديدة هو رأس المال البشري ، الذي يعَد الأساس في بناء ادارة المعرفة. لذا فأن اكتشاف القدرات الجوهرية وتنميتها ضرورة حضارية تفرضها متطلبات العصر ولا يمكن تصور مجتمع متقدم في امكاناته الانتاجية فقير في كفاءة رأس المال البشري العائد له أو العكس. وفي هذا الصدد يشير مؤتمر هيئة الأمم المتحدة المنعقد في القاهرة عام 1966 بشأن إنتاجية البلدان الافريقية الى ان "مدى ونوعية تأهيل الناس يعتبران عاملاً رئيساً للتقدم وان النقص في العمل المؤهل والخبرة هو السبب الرئيس الذي يحول دون التنمية السريعة. وحديثاً توصلت العديد من الدراسات الى نتيجة مفادها ان زيادة التأهيل والاعداد في قدرات وخبرات رأس المال البشري ومداومة التدريب عليه في مؤسسات المجتمع من شأنه الارتقاء بالاداء وخلق تفاهم مشترك بين العاملين وارتفاع مستويات الثقة.