اللهم أني قلت .. ونبهت |
اشارة الزميل د. هاشم حسن في صفحته بفيس بوك بشأن البناء العشوائي الذي تشهده بغداد، حفزتني الى القيام بجولة (عشوائية) لعدد من احياء ومناطق بغداد، فهالني ما رأيت … بغداد ملأت وجهها الندب والتشوهات وفقدت خصوصيتها المعمارية، وبانت مثل مدن الصفيح، لكنه صفيح من (الطابوق والسمنت) !!
هل ما جرى ويجري من تشويه لمعمارية بغداد، يتم بالخفاء، ام تحت علم ومباركة ” امانة بغداد ودوائرها ؟ اكيد ومؤكد ان ذلك تم ويتم بعلم كل الجهات التي ترى (تقزيم) بغداد دون ان تتخذ اجرءات للحد من هذه الحالة التي انعكس استمرارها على جمالية بغداد، كعاصمة وتأريخ !
ويبدو ان تجزئة البيوت الى (مكعبات) للسكن، بحجة ” الديمقراطية والحرية ” الشخصية، تجاوزت بغداد، واصبحت حالة عراقية بأمتياز في كل المحافظات، وبذلك اصبحت مساحة (مكعبات) البناء تتقلص، لتشكل في بعض المناطق (30) مترا مربعاً لا غير ، وبدلاً من البناء الأفقي لتلك المكعبات، اصبح البعض يتفنن، ببناء (مكعبات) يصل اطوالها عمودياً الى ثلاث واربع طبقات، يُطلق عليها جزافاً اسم ” شقق ” بشكل نافرومؤذ للذوق والمشاعر، مسببة هدراً للامكانات الخدمية المتاحة لمساحات محددة، فالبناء المجزأ يعد من بين أكبر المعضلات التي تعاني منها بغداد والمحافظات وستتمخض عنه انتشار أحزمة البؤس وبشكل ملفت للنظر ومن ابرزها الاكتظاظ السكاني الذي لا يخضع بطبيعة الحال إلى هندسة محكمة لسياسة مدنية وحضارية .
لستُ هنا ضد توفير سكن لائق للمواطنين، لكني اجد في تشويه وجه بغداد وبقية المحافظات، جريمة بحق المستقبل المعماري العراقي، واذا كان (المكعب) الذي تم تجزأته من هذا البيت او ذاك، يفي بغرض الاسكان لعائلة من زوج وزوجة وعدد من الابناء الصغار، في الوقت الراهن، فإن السنين المقبلة ستشكل معضلة لذات الاسرة، حين يكبر الابناء، معضلة نفسية واجتماعية … بل قنبلة موقوته شديدة الانفجار. ويعتبر السكن في بيئة سليمة، ومساحة معقولة ونظيفة تتوفر فيها شروط العيش الكريم للأجيال القادمة، حقا من حقوق الإنسان وخصوصا الأطفال ومؤشرا قويا على التقدم والازدهار، وغيابه يمثل فوضى وعدم استقرار، بل هو حجر الزاوية في توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبدونه لا تتحقق باقي الحقوق المرادفة له كحق العمل والتعليم والصحة والأمن.
ان هذه الظاهرة تستدعي الإهتمام المتزايد، فتقسيم العقارات دون احترام المسطرة القانونية التي تنص عليها خريطة بغداد والمحافظات، وميلاد وحدات سكنية بشكل عشوائي، يعتمد المظهرية في الشكل الخارجي، وقلة في ادوات الخدمة الداخلية، يؤدي الى مشاكل مستقبلية صعبة الحل، كقنوات صرف المياه، وتوفير الماء الصالح للشرب، الكهرباء وشبكة الطرق وغير ذلك …
فهل انتبهنا الى ذلك، قبل ان يغرقنا الطوفان الذي أراه آتيا بعد خمس او عشر سنوات؟ فمشكل السكن في هذه المكعبات ستكون مشكلة بشر، أكثر مما هي مشكلة سكن ..!
|