حزمة الإصلاحات وضرورة إصلاح المنظومة القانونية للانتخابات

ان إطار العمل القانوني والتنظيمي للإنتخابات يتطلب أكثر من مجرد قانون إنتخابي ، ففي الأساس ينبغي على إطار العمل الشامل أن يتضمن عدداً من الإجراءات التنظيمية على عدة مستويات، بدءً من القانون الإنتخابي الذي يتضمن النظام الانتخابي ، مروراً بالانظمة والقواعد والإجراءات الإنتخابية ، وصولاً الى التوجيهات العملية ، وهو ما يسمى حديثاً بالاطار القانوني للانتخابات الذي يُعَّرفه قاموس المصطلحات الانتخابية بأنه : ( مجموعة القوانين التي تتعلق بالعملية الإنتخابية أو تؤثر بها بأي شكلٍ من الاشكال، والتي تشمل بشكل أساسي الدستور، وقوانين الإنتخابات، وقوانين أُخرى ذات علاقة كقوانين الأحزاب السياسية، والقوانين التنظيمية للسلطة التشريعية، واللوائح والضوابط الإنتخابية ومواثيق الشرف).

ومن الجدير بالذكر انه لا توجد وصفة جاهزة لتكوين اطار قانوني للإنتخابات لكل البلدان ؛ إذ عادةً ما تقوم الدوّل بإعداد عناصر الاطار القانوني المناسب والملائم والمنسجم مع واقعها السياسي وتركيبتها الاجتماعية. ولعل من المهم الاشارة الى أن إختبار هذه العناصر من خلال إجراء عدة عمليات انتخابية ، يكون كفيلاً بإتاحة الفرصة لتطوير وإصلاح وتشذيب تلك العناصر وتقويم ذلك الاطار بمرور الوقت.

من هنا أرى أنه في ظل الشروع باطلاق الحزمة الأولى من حزم الإصلاحات الموعودة التي ينتظرها الشارع العراقي ، على مجلس النواب والمؤسسات والجهات المعنية بالتشريعات الإنتخابية وتلك المعنية بإصدار الانظمة والإجراءات ، أن تأخذ بعين الاعتبار كل تعقيدات الوضع الراهن لكي تقوم بإصلاح واعادة اعداد عناصر الاطار القانوني للانتخابات الذي يٌؤمِّن إجراء إنتخابات أكثر نزاهة وعدالة ، ومن ثم إقامة مؤسسات دولة القانون الحقيقية التي بلا شك أن شعبنا جدير بها.

ولعل من الضروري الاشارة الى أن الاطار القانوني للإنتخابات وما يتضمنه من نصوص دستورية وتشريعات تتعلق بالإنتخابات ، ينبغي مناقشة مشروع تطويره قبل إعداده بشكله النهائي، وأن يجري ذلك بمشاركة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجهات الأخرى الأساسية الأخرى في المجتمع العراقي ؛ وأرى أن إشراك القوى الفاعلة في الساحة السياسية العراقية بتقديم آراءها فيما يتعلق بالاطار القانوني للإنتخابات ، سيكون إضافة الى كونه خطوة في طريق قبوله.

وفقاً لما تقدم ، أقدم في أدناه توصيات من أجل إصلاح الاطار القانوني للإنتخابات في العراق ، وكما يلي :

- تعديل قانون الانتخابات

يعد النظام الانتخابي أهم ما يتضمنه قانون الانتخابات ، لذا ينبغي تعديل هذا النظام وذلك باعتماد الدوائر المنفردة من خلال تقسيم البلد الى 320 دائرة انتخابية لكل دائرة (110000) ألف ناخب، حيث يقدر عد السكان بأكثر من (35000000) مليون نسمة مع حلول الانتخابات القادمة لمجلس النواب 2018. ومنح الأقليات ثمانية مقاعد ليبقى العدد(328) نائباً ، مع انني أميل الى تخفيض العدد الى النصف.

لقد جرت عدة تعديلات طفيفة على النظام الانتخابي الذي إعتُمِدَ منذ أول انتخابات جرت مطلع عام 2005 حيث إتُبعَ النظام النسبي باستخدام القائمة المغلقة والدائرة الانتخابية الواحدة على مستوى العراق ، الذي ما لبث ان تبدَّلّ الى اعتماد المحافظة كدائرة انتخابية ، وكانت صيغة الباقي الاقوى هي المعتمدة في توزيع المقاعد ، ثم تم الانتقال الى النظام النسبي باعتماد القائمة شبه المفتوحة منذ انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 والانتخابات الاحقة لها ، في حين إعتمدت إنتخابات مجالس المحافظات 2013 على صيغة ( سانت ليغو ) لأول مرة ، كذلك أُعتمدت القائمة شبه المفتوحة في انتخابات مجلس النواب 2014 ، مع الانتقال الى صيغة (سانت ليغو المعدلة ) في هذه الانتخابات، مع ذلك فانه لم يلبِ رغبة الناخبين كونه يضمن إعادة انتاج السلطة بنسبة كبيرة.

- قانون استبدال الاعضاء

أما بشأن قانون استبدال الاعضاء فهو الآخر بحاجة الى إعادة نظر جذرية ، وذلك باجراء التعديل القانوني المطلوب حول عدم منح صلاحية استبدال الاعضاء في المجالس المنتخبة الى الكتلة السياسية المستحقة لعملية الاستبدال، ولعل هذا الاجراء يُعَّد خرقاً دستورياً ومخالفة قانونية صريحة واضحة ، تُعَّبِر بشكلٍ لا جدال فيه عن تغيير وتجاهل لإرادة الناخب، و إنما يجري الاستبدال وفقاً لعدد الاصوات التي يحصل عليها أفضل مرشح خاسر.

إذ تُعَّد آلية ( إستبدال الاعضاء) المشار اليها في المادة (ثانيا/2) من قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006 المعدل والتي نصت على " إذا كان المقعد الشاغل ضمن مقاعد المحافظة التي حددها القانون الانتخابي فيعوض من الكتلة التي ينتمي إليها العضو المشمول بالاستبدال ضمن قائمة المحافظة " ، مثار خلافات ونقاشات بشأن مدى مشروعية إعطاء الصلاحية الى رئيس الكتلة الانتخابية في إختيار من يشاء لدى تعويض المقعد الشاغر بغض النظر عن عدد الاصوات التي حاز عليها في الانتخابات ، مما يغبن حق الناخب في التعبير عن ارادته في الاختيار.

- قانون الأحزاب السياسية

ضرورة تشريع قانون الاحزاب السياسية مع تطوير إطار عمل تشريعي ونظام يتناول التمويل السياسي للاحزاب وتطبيقه إلزامياً لما له أهمية كبيرة في دعم الاطار القانوني للإنتخابات وبخاصة في مجالات تسجيل واعتماد الأحزاب السياسية ومصادر تمويلها ، من أجل إجراء وتنفيذ انتخابات أكثر شفافية ونزاهة ومصداقية ، تحقق العدالة والتوازن بين كافة الأطراف المشاركة في العملية الانتخابية.

- عملية استبعاد المرشحين

من جانبٍ آخر ، ينبغي حل الخلافات المتعلقة بتنازع القوانين والصلاحيات المتعلقة باستبعاد المرشحين في الانتخابات بشكلٍ قانوني مدروس وفقاً لتشريع يصدر عن مجلس النواب، أو نظام يصدر عن مفوضية الانتخابات ، لايترك مجالاً للاجتهادات ، التي قد تصدر عن السلطات التنفيذية ، أوالتشريعية ، أوالقضائية ، أو عن الهيئات المعنية ، مثل : مفوضية الانتخابات ، أو هيئة المساءلة والعدالة التي تعمل وفقاً لقانون خاص بها ، أوالجهة المسؤولة عن القيود الجنائية ، وغيرها.

ذلك أن الإشكاليات في عملية الاستبعاد التي ظهرت بشكلٍ أكثر جلاءاً ووضوحاً في انتخابات مجلس النواب عام 2014 ، هي بحاجة الى تدخل تشريعي من مجلس النواب لتفادي هذا النوع من الاشكاليات والارباك في التعاطي مع هذه الجوانب ومن ثم عدم الوقوع في مخالفات دستورية وقانونية.

- القوانين المتصلة بالانتخابات

العمل على تشريع قانون ترسيم الدوائر الانتخابية ، وتطبيق قانون التعداد العام للسكان والمساكن رقم 40 لسنة 2008 ، وغيرها من القوانين المتعلقة بالانتخابات والمؤثرة فيها ، والتي تُشَّكِل جزءاً مهماً من الاطار القانوني للانتخابات.

- نظام توزيع المقاعد

نظرا لأهمية هذا النظام التي تصدره المفوضية ، ينبغي ان يتضمن قانون الانتخابات مادة قانونية تتناول الملامح الرئيسة والخطوط العريضة له ، وإبقاء تفاصيل الصياغة والإصدار للمفوضية.

- نظام حل المنازعات الانتخابية

ينبغي أن يتضمن قانون الانتخابات مادة أو أكثر تضمن حل أمثل للنزاعات الإنتخابية ، فضلاً عن ضرورة أن يضمن القانون مراجعة إجراءات الشكاوى الإنتخابية من خلال آلية اكثر جدية بالنظر في الطعون الانتخابية سواء من قبل مفوضية الانتخابات أو الهيئة القضائية المعنية بالنظر في تلك الطعون ، وأن تُحَدَد الغرامات والعقوبات الخاصة بكل انتهاك إنتخابي مُدرج وترك التفاصيل لنظام الشكاوى والطعون الذي تصدره المفوضية .

- التوافق مع المعايير الديموقراطية الدولية

جعل الاطار القانوني للإنتخابات متوافقاً مع المعايير الديموقراطية كما جرى تعريفها من قبل القانون الدولي والمنظمات الدولية ، وأن يتضمن إجراءات لضمان ممارسة الحقوق والحريات السياسية ، لكي تشمل إجراءات متميزة لضمان تمثيل النساء والمكونات ، فضلاً عن ضرورة تضمين القانون الإنتخابي نصاً يضمن منح الحريات الخاصة بتنظيم الحملات الإنتخابية وإستخدام وسائل الاعلام ، وسَّن قانون تفصيلي يتضمن توجيهات واضحة بشأن حرية عمل وسائل الاعلام.

- إشراك الجهات المعنية في عملية الاصلاح

لدى إصلاح وإعادة صياغة عناصر ومفردات الاطار القانوني للإنتخابات ، ضرورة إجراء الجهة التشريعية مشاورات ومناقشات مع الجهات المعنية بذلك ، مثل مؤسسات المجتمع المدني ، والمؤسسات الديمقراطية المهتمة بالشأن الإنتخابي ، وخبراء الانتخابات ، فضلاً عن مفوضية الانتخابات ، إذ ستعمل تلك الجهات من خلال تلك المشاورات الى بلورة عناصر أكثر رصانةً للإطار القانوني للإنتخابات.

- إكمال عملية الإصلاح ضمن سقف زمني محدد

من المهم إكمال اصلاح وإعادة صياغة الاطار القانوني للإنتخابات بكافة عناصره خلال سقف زمني محدد ، وفي مقدمتها قانون الإنتخابات قبل سنة واحدة على الاقل من موعد إجراء الإنتخابات ، بغية الحؤول دون مفاجأة الأحزاب السياسية ومفوضية الانتخابات بما يتضمنه القانون من اجراءات قد لا تتلائم مع استعدادات الأحزاب لترشيح وتسجيل مرشحيها ، كذلك العمل الفني للمفوضية ، لكي تتهيء لعملية تحديث سجلات الناخبين التي تجري عادةً قبل ثمانية اشهر من الاقتراع على أقل تقدير ، وغيرها من جوانب عديدة ينبغي الاعداد لها مسبقاً.

- النشر من أجل التوعية والتثقيف

أن تُوضع عناصر وأدوات الاطار القانوني للإنتخابات في مجلدٍ واحد يشملها جميعاً، يتم نشره وتعميمه على نظاق واسع بشكلٍ شفاف من أجل نشر التوعية والتثقيف ، ولكي يكون في متناول أيدي جميع المعنيين بالشأن الإنتخابي وعامة الجمهور.

إن هذه التصورات لعملية اصلاح المنظومة القانونية للانتخابات ، ستعمل بالتأكيد على ترصين عناصر الاطار القانوني للانتخابات ، ما سيؤدي الى إجراء انتخابات أكثر نزاهةً ، تحظى بمقبولية وتتمتع بمصداقية من لدن كافة المشاركين والمعنيين بالعملية الديمقراطية عامةً و الانتخابية خاصةً ، وفي ذات الوقت ستقلل كثيراً من النزاعات الانتخابية ، كما ستوَّفر الأرضية الصلبة لبناء عراق ديمقراطي تعددي مُوَّحد ، وسيفتح الطريق لشعوب المنطقة للسير على خطى العراق الذي كان الاول في تشريع وصياغة القوانين في العالم منذ آلاف السنين ، وقد أصبح نموذجاً يُحتذى به في تدشين نظام ديمقراطي جديد ، وبخاصة في مجال الانتخابات ، منذ عام 2003.