التيار القومي والتمايز الطائفي والمذهبي

 

 

تخامر ذهني فكرة تسكين واقع بائس محبط بالهزائم مسكون بالازمات، يتنافح بعصبية طائفية، يقوم على الحمائل البنيوية، والنزاعات المذهبية والعرقية والاثنية والمناطقية في مشهد يومي، لا يمكن غض الطرف عنه، في رغبة ملحة لكتابة التاريخ القومي العربي، بكل ارهاصاته، وجذاذاته الايدولوجية، من غير ان نتصفح وريقاته المطوية من سنوات تخضلت بالدم، وما نراه الان من خلال منظار الوجع الذي تتعرض اليه الحركات القومية من تفتيت وضياع من قوى ظلامية راغبة في عدم احياء التراث القومي العربي ومشروعه الناصري، مساندة للستراتيجية الامريكية التي اجتاحت بلدا يعاني من إعصار الفقر والجوع يعتاش من حصاد دام ثلاث عشرة سنة، رغم المحاولات الجادة في تطهيره من الذل السياسي والعبودية السلطية التي واجهته لسنوات طوال. وافشال محاولات لم الشمل بشواخص قومية ووطنية، ورأب الصدع الذي يعاني منه في الماضي والحاضر. بعد ان داهمته الانكسارات النفسية والمجتمعية من أبناء علية القوم، ليتناغى مع ارباب الفكر القديم الذي ارهقته الغربة والشتات حتى بلغ من اليأس، والإحباط والعزلة حدا اغلق امامه كل امل في الخلاص بحثا عن وطن بمرارة المنفى، يؤرقها ظلمة وظلامية وقسوة الهروب من بلد اوجعه الشتات القومي. فرغم قراءتنا للشأن الجاري وانفلاته الديني والفوضوي بعيون مبثوثة وشاخصة محدقة في كل مكان.. نتساءل الى متى يتحمل الشعب العراقي المصطلي بنيران الإرهاب والرهاب في ظل واقع مرتهن بالقلق والخسف والهلع، يطيح به الفساد والمحسوبية والارتشاء في صفوف البطانة السياسية والقتل يصدع صدغه؟ في ظل هذا المتغير السياسي لواقع العراق بما حدث له بعد عام 2003  من غزو الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من الغرب العراق، وما حمله قبلا من أوهام الربيع العربي الذي راهن على أحلام الفقراء وتطلعاتهم الى التغيير في الأنظمة الشمولية بما يتلاقح مع رغائب المشروع الأمريكي في تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ بملامح جغرافية ترسم أقاليم فئوية، وكيانات سياسية تبعث آمالا خائبة لشعوب منطقة الشرق الأوسط واطلست الواقع العربي المتمارض، وفق رؤية جديدة للسياسة الامريكية في تقسيم الوطن العربي الى حصص واسلاب. وفي ضوء هذا المشهد الخرب تتعرض المنطقة الى هجمة امبريالية شرسة غير مسبوقة في خطوطها المتشابكة ويكون العراق ضمن هذه الخطوط ليقع في براثن الخطيئة السياسية والعسكرية الامريكية، وتتجسد في ومضات الهزيمة والانكسار، وتعم ارجاء الوطن، الصراعات والمصالح الإقليمية والدولية في تأجيج التطرف باسم الدين الذي اصبح عنوانا لمرحلة اتسمت بالاسلامفوبيا لتضيق بهذا البلد السبل بثيمة أمريكية، تتبلور مفاهيمها فيما قاله كولن بأول رئيس هيئة الأركان الامريكية آبان حرب الكويت عام 1991  ووزير خارجيتها لاحقا: (ان الحرب في العراق خلقت ديناميكية ستراتيجية في المنطقة وبعد ان سكتت المدافع سوف تتكفل هذه الديناميكية بأداء دورها بوسائل الضغط والحرب النفسية). التي افرزت سياسة فجة في منطقة شرق اوسطي يعج فيها التطرف وما نشاهده الان في العراق خير دليل على هذا الانعطاف التاريخي الخطر ليتفاقم الوضع تفككا وتمزقا في ارض ارتوت بالدم، لعقود مضت ومن خلال ذلك انبرت رؤية وضاحة تسلط الضوء على القيادات القومية التي خلت الساحة السياسية من تواجدها الا لماما، وفي أماكن اختبأت فيها بعيدة عن المشاركة الفاعلة في الحضور السياسي للأحزاب التي يضج بها الشارع العراقي ولم تستطع تصعيد نفوذها ومكانتها وجماهيرها بعد السقوط المدوي للبلد في 2003  وفي الفترات التي تلت عام الاحتلال.. ومازالت تعيش تحت ظلال التاريخ ووطأة الماضي المقدس وتابوهاته فالحركة القومية راعية لكل أطياف المجتمع السياسي وعوالمه الضاجة بالمذاهب والطوائف وتغفو على اكتاف التسامح الديني من دون الولوج في الوعي الإنساني المتطرف. وفي بادرة حسنة وتحت ضغط الجماهير القومية التواقة للالفة والرغبة في توحيد فصائل القوى القومية وربط مجسراتها ببعضها للعبور بها نحو انسنة الرؤى القومية وسط الاكتظاظ الذي اكتنف الواقع العراقي فظهر من يحاول جاهدا الى لملمة الشتات القومي، واعداد حوامله لاصلاح البين في تداعياته المتلاحقة وبدأت تستيقظ في اعماقها جذوة القطعية الطائفية، وهي تتساءل بأسى عن الهوية القومية والوطنية دون الدخول في سجال فكري مقيت وصراع طائفي وديني تساعد في بعض توجهاتها نشر الفوضى المذهبية المجلجلة بالعنف الذي زاد وطيسها في حرب ضروس اشتعل سعيرها بعد الاحتلال الأمريكي وراح ضحيتها الكثير من الأبرياء لتشهد حواضرنا التمايز العرقي والديني والمذهبي تشيعه الفوبيا من فرقة وعنف طائفي، وخاض العراق حربا شرسة مع النشوز الديني المتشدد وتحمل وزره نيابة عن الامة العربية وزاد من منسوب هذه التوترات الطائفية السياسية التي اثارها البعض، واوقد نارها المحتل الأمريكي خدمة لمصالح ذاتية، من دون النظر الى ما يؤدي ذلك لحرق أبناء الوطن، وفي ضوء هذه الحرائق، بذل التيار القومي بمحاولات جادة في تقوية محيطه السياسي وبما يتناسب وفعله القومي في المجتمع وقدم جهدا قوميا في اخماد نيرانها لايمانه المطلق بكل المذاهب الدينية والقومية على مسافة واحدة، عاقدا العزم على بلورة مفاهيم ناجعة تنهي حقبة العنف الطائفي والوقوف مع فئات المجتمع لدحر الإرهاب بمظلة النداء القومي العربي، وفي ظل التفاهمات الرافضة لهذه الثقافات المبتورة والتي طغت على العقل الوطني لاطفاء النار الفئوية المستعرة كونه عاملا مساعدا في اسقاط كل ما من شأنه احراق الوطن وتسجير تنانير الفوضى والاقتتال لما يضم بين جنباته المذاهب الدينية والطائفية كافة ونستكر هنا ما ذهب اليه جمال عبد الناصر بأنه كان لديه ادراك كاف للفروقات في التطور للتفكك المجتمعي من الرأسمالي.. أي الطائفية والقبلية التي تشكل عوامل بنيوية للانقسام داخل كل بلد عربي بالذات.ويستطرد الراحل جمال عبد الناصر قائلا: مافيش طائفية، ومافيش استخدام للدين الا في السياسة ليه..؟ ولم يأت الراحل ابدا على تسمية الطوائف والمذاهب ويكتفي بالإشارة الى الإسلام والمسيحية، ويسجل بذلك تجنبه لاعارة أهمية الى التمايز الطائفي والمذهبي في المجتمع العربي حيث دسائس الاستعمار أراد ان يثير فتنة طائفية بين أبناء الوطن الواحد، ويقتــــــلوا بعضا ومن هنا لابد من تحويل المجتمع العراقي باتجاهاته الاجتمــــاعية والإنسانية والمذهبية والفكرية من الوعي الطائفي الى الوعي القومي والوطني، خاليا من اية مســوغات يدركه الصراع بين أبناء الوطن الواحد. الذي يضم كل المذاهب الدينية والعرقية والاثنية واسقاط كل التناثر والتناشز المذهبي والطائفي والعرقي.