قديما قال المتنبي يصف حاله "ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه .. إني بما أنا شاك منه محسود". في وضعنا الحالي يبدو هذا البيت أكثر إنطباقأ على رئيس وزرائنا ـ حتى بعد الترشيق ـ حيدر العبادي. لقد بات من الصعب فك الإرتباط بين كونه في وضع لايحسد عليه في محاولته فك قيود التوافقية والمحاصصية والحزبية بل والعرقية والطائفية وبين كونه محسودا على خلفية التفويض الجماهيري وتاييد المرجعية.
العبادي امام معادلة صفرية تماما. فمن جهة فهو مطالب باغتنام هذه الفرصة المتاحة له من خلال الضرب بيد من حديد على الفاسدين والمفسدين من سراق المال العام, بينما برنامج الإصلاح الحكومي بكل حزمه الحالية والقادمة يتعدى الفساد الذي هو عنوان واحد من جملة عناوين . ومن جهة ثانية هناك من يطالب بمنحه فرصة لكن مشروطة.
ما الذي يتوجب على العبادي فعله؟
هل السير بإتجاه الفرصة المتاحة وهو ما يجعله بين خيارين في غاية الصعوبة .. خيار تبني برنامج الإصلاح الشامل مع تجنب التفرد في السلطة باتخاذ قرارات "جراحية" لم يشرك فيها أحدأ من الشركاء؟ أو إشراك الشركاء بما ينوي فعله وهو ما يعني دخول أي حزمة إصلاح بـ "إيراد ومصرف" وهو ما لاينسجم مع إرادة الناس الغاضبة على ما يعدونه 12 عاما من التوافقية البائسة.
السؤال الذي يطرح نفسه حيال مثل هذه المعادلة الصفرية هو .. هل هناك بديل آخر أمام العبادي؟ الإجابة لا. الرجل إذن لابد أن يجد نفسه أمام خيارين يمثلان فرصتين في آن واحد, وهما متقاربتان حد التطابق لكن بإتجاهين متعاكسين تمامأ. وبالعودة الى المتنبي فإن العبادي يبدو محسودا من شركاء له في العملية السياسية لم يحظ أي واحد منهم بما حظي به الدكتور العبادي من تفويض شعبي طوال السنوات الإثنتي عشرة الماضية.وفي وضع لايحسد عليه من شركائه ممن يرون إنه وحده ومهما أوتي من قوة وفي ظل عملية سياسية معقدة التركيب قد لايتمكن من تلبية كل الآمال والطموحات.
ما ينبغي على الجميع معرفته أن العبادي لم يحظ بهذا التاييد لسواد عينيه, بل لكونه الان المسؤول التنفيذي الاول في الدولة والذي تقع على عاتقه مهمة الإصلاح الذي
سكت عنه الناس 12 عاما. ولذلك لا داعي للحسد من هذه الزاوية. وفي الوقت نفسه فإن أمام الشركاء فرصة حقيقية لمعاونة الرجل فيما ينوي القيام به من إصلاحات قادمة ولكي لا يقولون عنه انه في وضع لايحسد عليه قيام كل طرف باتخاذ قرارات صعبة وتنازلات خطيرة قبل ان يجبروا عليها في مرحلة لاحقة. وحتى لايستمروا في الاستماع الى قرارات العبادي من وسائل الاعلام فان التوافقية اهدرت 12 عاما من الفرص الضائعة في تاريخ العراق .. بقيت منهما الان فرصتان فقط.