الهروب إلى الموت

 

 

إنشغلت هذه الايام وسائل الإعلام وخاصة منها المرئية والمقروءة لتنقل لنا اخبار الهجرة الجماعية التي صارت حديث الناس والشارع العراقي ومواطنه الذي راح يفكر ومنذ مطلع العام الجاري بالهجرة غير الشرعية عبر دول الجوار ومنها الى اليونان البوابة الرئيسية لاوربا التي منحت ومازالت اللجوء الانساني والسياسي لمئات الالاف من العراقيين والملايين من دول العالم ومن قارات العالم التي تعاني الجوع والحرمان والمشاكل والحروب والارهاب .. نعم غالبيتهم من قارة آسيا ومنها العراق التي سجلت ارقاما قياسية في اعداد اللاجئين في اوربا ومنذ مطلع التسعينات سنوات الحصار القاتل على العراق وانكسار الجيش العراقي في حرب الكويت التي قادتنا بل قادت العالم الى ويلات ومشاكل مازالت تعاني منها حتى الدول الكبرى والمستقرة . منذ التسعينات بدأت هجرة العراقيين لتستمر الى غاية سقوط النظام السابق واحتلال العراق في 2003 السنة التي مهدت للعراقيين اللاجئين ان يعودوا الى العراق وانهاء لجوئهم على امل ان سقوط النظام واحتلال العراق من الامريكان الذين اعلنوا عند قدومهم للعراق بانهم محررون من دكتاتورية وظلم وسيقومون باصلاحات اولها الديمقراطية التي انطلت علينا كشعب مسالم يعشق الحياة والسلام ومامدة السبعينات من القرن المنصرم الا دليل قاطع على حب العراقيين للحياة وتمسكهم بانسانية صارت مضرب الامثال وصارت القبعات ترفع للعراقيين في دول العالم كافة. ولكن سرعان ما غيرت امريكا سياستها لتعلن انها جاءت محتلة للعراق ومن يومها طفت المشاكل والهموم اولها الحرب الطائفية وظهور التيارات المتشددة والاحزاب التي سال لعابها على مناصب وخيرات العراق ، ولا اريد هنا تفصيل حقائق لمسناها وعشناها الى يومنا هذا.  وهذه المشاكل والتناحرات والصراعات اوصلت العراق الى ان يعود عشرات السنوات الى الخلف لغاية ويفقد مؤسساته المدنية ومقومات دولة كانت لها الكلمة بين دول العالم ان يعلن للاسف العراق  خاو الميزانية ويعاني الفساد الاكبر والظلم في تاريخ الانسانية ويعاني مايعاني من ويلات وهموم وارهاب  مهدت للعراقيين وبكافة شرائحه ومذاهبه واطيافه بالهجرة الى اي بلد ياويهم ويعيشون فيه نبض الحرية والامان وضمان مستقبل اطفاله فراح المواطن يبيع مايملك من كل شيء ليدفعها الى الجهات التي تقوم بعملية الهجرة شرعية كانت ام غير شرعية . واليوم وبعد ان بلغ السيل الزبى وانتفض العراقي من سراقه وخونته وصارت احاديثنا اليوم عن الهجرة والطرق الملتوية وغير القانونية لنصل الى اوربا التي تنعم بالامن والسلام . ولكن للاسف صارت اسماك القرش وحيتان البحر متخمة بلحوم العراقيين الغارقين في البحر . نعم اخبار وصور وافلام تدمي القلوب عندما نرى ونسمع ان عائلة بشيبها وشبابها واطفالها تغرق اليوم في بحر ايجا وبحور ومحيطات او تتحمل قساوة الاجواء وعصي واهانة خفر سواحل الدول من البوليس لتتحمل العوائل كل هذا القهر والخوف والرعب المجهول الذي يقوده الى الموت من اجل ان يضع قدمه على ارض فيها فسحة من الامل والحرية والامان .. نعم يتساءل ونتساءل  اي ذنب اقترفناه بل اي ذنب اقترفه اطفالنا وفلذات اكبادنا ليتحملوا قساوة الدنيا وعذابها ؟ والى متى ستستمر الهجرة لمن يستطيعها وبالتالي يواجه الموت ؟نعم ان ارادة الله هي الاقوى والاقدر . ويقينا بارادة العراقيين الذين ذاقوا المر والعذاب سيكون التغيير والثورة على الفساد ستستمر والشاعر الالماني (جورج بوشنر) يقول (ان من يقومون بثورة إلى منتصفها فقط إنما يحفرون قبورهم بايديهم ) وهيهات ستتوقف الثورة على الفساد والظلم بل وستستمر. وان الموت على تربة العراق وانت تدافع عن حق سلب منك اهون وانبل من موت في بطن حوت وسمك قرش بل اهون من الهروب الى الموت ..

 

ولك الله ياعراق ..