هل بدأت حركة الإصلاحات في العراق ؟

 

قام بعض علماء النفس والانثربولوجيا والاجتماع بالربط بين الابداع و الصحة النفسية لكن الكثير من المبدعين ليسوا بالضرورة نماذج للصحة والحياة السوية  مثلا ( بتهوفن ) كان يتصف بالغضب و ( فان كوخ ) يتصف بالعزلة والوحدة وكان مصابا بالصداع .

 

كما تبين أن المبدعين قد تكون لديهم خبرات داخلية في وقت مبكر من حياتهم  ويرجع ذلك غالبا الى ما تعرضوا له من خجل وتعاسة وعزلة ومرض كما كانت أسرهم قد لا تشجعهم وتهتم بهم  بالإضافة الى عدم اهتمام مدرسيهم في المدارس بهم أيضا … وأي كانت الحالة فالقصد هو منح مرحلة الطفولة حظها من العناية وبذل الجهود الواسعة في سبيل تفعيل طاقات الانسان الكبيرة التي يتفتح عطاؤها حين تتوفر لها الظروف الموضوعية من رعاية واهتمام .

 

وليس بالكثير أن يعمل مجتمعنا العراقي – وسواه من المجتمعات النامية المتعطشة الى قوى الإبداع والعطاء – على إطلاق الشرارة الاولى للتفوق الفكري والعلمي لدى افراده وان يحرص على التفجير الاكمل والأمثل لاحتياطي الذكاء والقابليات الكامنة في العقول .

 

ان حلم الاشخاص في أن يصبحوا عباقرة ومتفوقين له مقوماته وأصوله وخاصة بعد إن ولى عصر – عسكرة المجتمع – وسقوط – جمهورية الخوف – وما علينا الا ان نبحث عن وسائل تحقق هذا الحلم الذي أصبح حقيقة.

 

ان طموحات المجتمعات في تكوين الافذاذ القادرين على دفع عجلة التقدم فيها يجد جذوره العميقة فيما تقدمه هذه المجتمعات من عناية بالأجيال الجديدة التي تحمل امكانيات الخصب والعطاء الكثيرة  وان طموحات مجتمعنا بحاجة الى قفزة سريعة في معارج التحديث ومراقي العلم والتكنولوجيا يجد مظلته ومتكآه في ان يبدأ من حيث ينبغي ان يبدأ وفي ان تعطى السنوات الاولى من العمر حق قدرها وان تدرك انها التربية الاساسية لتنمية طاقات الخلق والإبداع وتكوين الاتجاهات العلمية والتكنولوجية اللازمة لدخول العصر.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه : كيف نصل إلى مصاف الدول المتطورة ونحن في سبات نائمون … مرة تحت حكم دكتاتورية الحزب والفكر الواحد الذي قاده قائد العراق والأمة العربية ورئيسها الاوحد .. ومرة تحت قيم دينية موروثة من هفوات تاريخ العرب والمسلمين في العصر الأموي والعباسي وأخرى عادات وتقاليد وأفكار من عمقنا الصحراوي الموغل بالقدم وعصره الجاهلي حيث العصبية القبلية والعادات الجاهلية المبنية على شعار (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) كما يفهمها الجاهلون ممن يرتدون الزي العربي كما يسمونه .

 

ولا شك ان الطريق الى المعاصرة والحداثة باعتبارها ظاهرة تاريخية تتطلب الانتقال من التخلف الريفي وقيمه البالية الى التطور العلمي الحديث  لا سيما ان العراق معروف بتنوعه الديني والمذهبي والقومي والجغرافي وهذا لن يتم بدون ثورة ثقافية متكاملة الوجوه تحطم المجتمع القديم وتبني مجتمع جديد  تخلصنا من البيروقراطية المتأتية من رواسب وأفكار وثقافة المجتمع البائدة  تطهر الجهاز الحكومي من الفاسدين سارقي قُوة الشعب ومصاصي دمائه  تغير المناهج الدراسية والكتب والمطبوعات والإعلام المرئي والمسموع الذي اصبح في عصر العولمة ساحة حرب مفتوح يتقاتل فيها الجميع على مصالحهم الفئوية  هذه الثورة يجب ان لا تخلق فواصل كبيرة ومعادية بين مكونات الشعب  وتؤســـس أنمــــوذجاً راقياص للثــــــقافة العراقية المقبولة من قبل الجميع .. لا سيما ان بعض الجهلة والمتخلفين اليوم يسودون المجتمع العراقي اغلبهم مالكي نفوذ سياسي وحاكمين وأمراء قبائل ووجهاء ورجال دين اصوليين  قد يشهرون اسلحتهم البالية والجديدة بوجوه مثقفيه ويعطون لأنفسهم الصلاحيات القانونية والشرعية لمحاربة الافكار الحديثة المتنورة كجزء من الصراع التاريخي بين الحداثة والأفكار الموروثة من عفن التاريخ  حتى (الكوميديا الآلهة) المؤلفة من مئة انشودة وأربعة عشر الف بيت التي نسمعها اليوم من اصحاب العقول الضحلة فقدت مضمونها الاجتماعي والسياسي والفلسفي بعد إن تبنى أصحابها (الكوميديا البشرية) الغارقة بالبكاء والعويل على الماضي البعيد المليء بالحروب والحصارات وتغييب الاخرين .

 

وتعتـــــبر تظاهرة جمعة يوم (31/7/2015) الحدث الأكبر الذي منح رؤية جديـــدة لمجتمعنا العراقي ونقــــطة تحول من الفــــكر الديني الطائفــــي إلى الفــــكر المدنــــي الوطني أنهــا كانت وما زالت ثورة سلمية خاطر فيها المتظاهرون بحياتهم ليبرهنوا بأنهم تجاوزوا فكرة الخوف من المـــــــوت والسلطة والقـــــمع الذي استخدم طيلة عمر العراق ليجعل من أهله عبيداً للحكام والفاسدين.