العراق يدخل مرحلة الانقلابات...من سيكون سيسيه


هل بمقدور المؤسسة العسكرية العراقية القفز على التوافقات الحزبية ومساندة الجمهور واحداث انقلاب عسكري سني اللون على الحكومة الحالية؟ ام ان الاقرب الى الانقلاب هم دعاة النظام الرئاسي من الشيعة اذا ما استثمروا التظاهرات والغضب الشعبي في مدنهم؟ سؤال تم طرحه وناقشته الجهات التي تطمح الى قلب نظام الحكم في العراق والعودة به الى شكل الحكم الاحادي او الرئاسي على غرارانقلاب المؤسسة العسكرية في مصر على نظام الاخوان وناقشته جهات اخرى تعارضه. ولكي نزيل الغموض علينا ان نخضع هذه السيناريوهات للتحليل مع الاخذ بنظر الاعتبار المتغيرات التي يمر بها البلد، ومما لاشك فيه ان الجمهور ناقم على الحكومة برئاساتها الثلاث وهيئاتها وحكوماتها المحلية وان الشارع قد يساند اي قوة مفرطة تعرض خدماتها للانقلاب، خصوصا وان حكم التوافقات والمحاصصة جعل الجمهور يفكر بان اموره لن تستقيم الا مع حاكم قوي ولاباس من بعض الدكتاتورية ان امنت له الخدمات والامان وقلصت حجم السراق والمفسدين. ولتحليل السيناريو الانقلابي الاول نجد ان وزارة الدفاع هي ابرز المرشحين لتولي هذه المهمة فمنذ تشكيل اولى الحكومات بعد 2003 كانت هذه الوزارة من حصة المكون السني العربي اي ان ابرز قياداتها وقواعدها من الرتب والمراتب هي بيد المكون السني والان يديرها وزير تحوم حوله شبهات تورط بسقوط الموصل رغم عدم ورود اسمه في تقرير "حاكم الزاملي" الا انه كان المستشار العسكري لمحافظ الموصل، وترافق تلك الشكوك شكاوى من ان يكون دوره ازاء المعركة الجارية ضد داعش ليس بالمستوى المطلوب وان المتصدي والمتقدم دفاعا وهجوما هم الحشد الشعبي والداخلية ومن ثم الدفاع حتى ان اغلب المناطق التي تحرر وتعطى للدفاع لتمسكها تعود للسقوط بيد الدواعش كما شاهدنا في صلاح الدين وهو مايقوله ويؤكده قادة الحشد الشعبي. ومن هنا يمكن الذهاب الى فرضية استغلال المظاهرات والجمهور الغاضب لترتيب انقلابا عسكريا وترتيب تحالفا خاصا مع داعش لاسناد المطلب اعلاه. وان تم الامر فان المكون السني في البرلمان وخارجه ومراكز القوة والمال التي تسنده من خارج البلد ووسائل الاعلام التي هي اقوى من نظيراتها لدى الشيعة ستدعم وتؤمن خدماتها للانتقام من المكون الشيعي الذي يرونه مغتصبا للسلطة وان كان يشكل الاغلبية وهو خطاب الفناه والفنا الاتهامات والقصص التي تقول بانه متامر مع الطرف الايراني سواء كانت حقيقة ام افتراء ولعل العقبة الابرز امام وزير الدفاع لتحقيق مسعاه هو غياب العقيدة العسكرية لدى القواعد من الجند في وزارته وان نسبة كبيرة منهم ليسوا من لون الوزير المذهبي. 
على الجانب الاخر تبرز فكرة الانقلاب بادوات شيعية تتمثل في قوة من الحشد الشعبي ان لم يكن كله عدا اطرافه المشاركة في الحكم ومع جمهور المتظاهرين يمكن احداث هذا الانقلاب فالشارع بحوزته ترسانة سلاح تكفيه للقيام والصمود بوجه الداخلية ان جازفت وتصدت لهذا المشروع الانقلابي وقد تنضم اليه بعض القوى الشيعية التي تشعر بالحيف من حكم "حزب الدعوة" حيث استحوذ على الحكم واقصى شركائه من المكون الشيعي لدورتين ولايزال ممسكا بمقاليد السلطة عبر ممثله "حيدر العبادي" وعبر انصاره من القيادات الذين زرعهم في كل مفاصل الدولة. ويبدو ان المرشح الابرز للعب هذا الدور هم "عصائب اهل الحق" لاسيما وان الشيخ الخزعلي كان قد طالب بتغيير نظام الحكم الى الشكل الرئاسي وكذلك اسند المظاهرات منذ بداية انطلاقها وهدد بان الذي يتعرض للمتظاهرين انما يتعرض له ولمكونه ولربما يتم التقارب بين بدر والعصائب والكتائب فتتشكل قوة كبيرة توجه التظاهرات في البلد باتجاه حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة مؤقتة تمهيدا لتغيير شكل نظام الحكم رغم ان ادواتهم غير ناضجة بعد وهم بحاجة الى حلفاء اقوياء من الداخل. اما التيار الصدري فقد كان المرشح الاوفر حظا بوصفه المعارض الابرز لحكم حزب الدعوة لكنه فقد حظوظه بسبب عدد من ابرز رموزه السياسية التي شاركت بالحكم وحامت حولها تهم الفساد ومع ذلك فهو قادر على ان يلعب هذا الدور خصوصا وانه يملك القاعدة العسكرية المتينة وقواعده الشعبية وكذلك بادر لاسناد المظاهرات، وفي اسوء الاحوال فانه لن يخسر ما بيديه ان حصل الانقلاب حيث لن تجازف لا العصائب ولا غيرها بخوض نزاعا مسلحا مع التيار الصدري .
وعن دور الدول الابرز كايران، السعودية، تركيا وحلفائهم كامريكا وروسيا في دعم او معارضة هذه الفرضيات، فان ايران لن تقبل بحصول انقلابا تقوده وزارة الدفاع كونها ستخسر عوامل قوتها في العراق وستخسر العمق الاستراتيجي المانع للمخاطر التي تحدق بها وسيقطع سلسلة ارتباطها مع سوريا وايران، لكنها قد تدعم السيناريو الانقلابي الثاني على ان يكون ضمن دوائر نفوذها وما قد يعيقها هو الطرف الاميركي الذي لن يقبل بخسارة العراق كله اذا ما تحول الى نظام رئاسي يقوده المكون الشيعي. اما السعودية وحلفائها قطر وتركيا والامارات والكويت فهي تسعى الى تحقيق التوافق (السني- السني) داخل المحيط العراقي اولا، وهذا امر يصعب تحققه مع الفوضى العارمة التي تعصف بديموغرافيا المكون السني وخارطته الايكولوجية واثر الطموح الكردي عليهم بوصفه الجار الاقوى والاكثر انانية فهو متحالف باطنا مع الدواعش على ان لايمسوا استقراره ووضعه الذي حظي به ويسعى لقضم ما يمكن قضمه من الجغرافيا المتنازع عليها مع المكون السني العربي نظير خدمة ترك خطوط الامدادات للدواعش مفتوحة وامنة، لذا فان ما تعول عليه السعودية هو الدور الاميركي الذي يمثل عامل ردع للطموح الشيعي في تحقيق السيناريو الثاني ولكنها لن تتوانى بالمجازفة بتسليم الراية لداعش وتخويله تحقيق هذا المطلب على ان ينضوي ساسة السنة العرب تحت رايته وهذا امر غير مستبعد مع مزاجية صناع القرار السعودي الجدد وطموح الملك السعودي المسيطر عليه من قبل ولي عهده ووزير دفاعه الابن الشاب. 
ان التجارب السابقة لهذا البلد اثبتت ان جمهوره لن يتوانى في الانقلاب على اي كان فقد انقلب على الملكية برفقة الجمهوري عبد الكريم قاسم وانقلب على عبد الكريم قاسم وجمهوريته برفقة البعث ونظامه الفاشي وانقلب على البعث وفاشيته برفقة (ربيع المعارضة والوافدين وحكمهم الفاسد) وقد ينقلب على هؤلاء وفسادهم بعد ان اسقط اقنعتهم الدينية والعلمانية ووصفهم جهارا نهارا بالسراق والمفسدين وباتت اشكالهم الحقيقية مكشوفه ولن تنطلي عليه الحيل ولعمري ان نهايتهم باتت وشيكة وصدع جدارهم الى اتساع طالما تعتمل فيه مطرقة الكساد والتقشف والعجز في موازين المال وتردي اسعار النفط.