مكاتب المفتشين العموميين وحركة الإصلاحات المطلوبة

 

 

من المتعارف عليه أن عمل المفتشين العموميين يكون فعالاً في حالة معرفة – المفتش العام – بكافة التفاصيل الدقيقة التي تخص وزارته من حيث الهيكل التنظيمي ، الملاكات، التوصيف الوظيفي، الخطة الستراتيجية، توزيع المهام والواجبات حسب الاختصاص ..

 

لكن الذي يحصل إن عمل أغلب مكاتب المفتشين العموميين لازال متعثراً بسبب الفهم الخاطئ لدورهم ومسؤولياتهم الوظيفية والأخلاقية وكذلك المعوقات التي يواجهها في حالة طلب معلومات معينة لاسيما إذا كانت تخفي وراءها فساداً مالياً وادارياً.

 

هذا السلك الرقابي للأسف الشديد لا يعرف سوى الإحصائيات البسيطة المملة والروتينية عن الدوائر والشركات العاملة بالوزارة المعنية.. الكثير من الموظفين الجدد ومن الذين لا يعرفون أبجديات العمل ولا هًم لهم سوا الحصول على الامتيازات داخل الوزارة بكافة صنوفها المادية والمعنوية بدلا من تثبيت قيم وتقاليد عمل جديدة في التعامل اليومي تخدم مسيرة النمو وتفتح الأبواب واسعة للتقدم بما يتيح لنا التفوق على تجارب الآخرين في تكريس تقاليد التعامل مع النشاط المعرفي بمجمله .

 

العمل كله يسير بالتراضي تحت شعار – أطلق الرصاص فوق الرؤوس – تأتي اللجان التحقيقية وتذهب والنتيجة واحدة : لا يوجد مقصر  ليس إرضاء للأشخاص المتهمين وإنما حتى لا يزعل السيد المدير العام في تلك الشركة .. لأنهم يرفعون شعار (وكفى الله المفتشين شر القتال) كل هذا يجري لتحقيق مصالح شخصية أنية وبدوافع ارضائية نفعية .

 

ومن يرجع إلى الهيكل التنظيمي لبعض مكاتب المفتشين العموميين يجد انه مقسم إلى هيئات وأقسام  تلك الأقسام لا تضم شعب اختصاصية واغلبها ليس فيها سوى ثلاثة أشخاص أو أربعة ..

 

الغاية من هذا التقسيم هو الحصول على مخصصات منصب ليس غير  إما الشٌعب والأقسام العاملة في المحافظات على الرغم من أهميتها فهي تعيش خاملة منزوية مهمشة لا يوجد من يسأل عليها لكونها خارج الحدود المسموح فيها لبلدان العالم الثالث  تعمل تحت رحمة الشركات والدوائر المتواجدة فيها التي تتصدق عليها بالمكان والأثاث والخدمات الأخرى .

 

فلا بد إن نعيد النظر بدورنا وقيمنا وتاريخنا كأشخاص ومؤسسات وركائز دولة عامة ونحن نمتلك المقومات لتجاوز هذه التهديدات التي أخذت بعدا مرعبا ولصلتنا إلى حد الاستسلام لبروز هيئة في الفساد تتفوق على الأجهزة الرقابية العاملة في قطاعات الدولة المختلفة ومواجهتها ليس بالأمر السهل.

 

أن وجود جيوش من المراقبين كموظفين وملاك متقدم لم يحد من ظاهرة الفساد وهذا ما تأكد عبر تربع العراق ولسنوات طويلة على المقاعد الأولى للدول الأكثر فساداً في العالم .

 

أن تجربة – المفتشين العموميين – تعد تجربة فاشلة استغلت من قبل الوزراء الفاسدين الذين أشتروا ذمم بعض مدراء المكاتب لتمرير فسادهم والتغطية على تورطهم بسرقة المال العام وتورط بعض مسؤولي مكاتب المفتشين الفرعية العاملين في المحافظات بالتواطؤ مع المدراء العامين في الشركات ومدراء الدوائر من أجل الحصول على المكاسب الشخصية في سرقة المال أو التوظيف بشكل غير مشروع بحيث أصبح عمل تلك المكاتب غير مجدي .. مما يتطلب إلغائها والتخلص منها باعتبارها حلقة سرطانية زائدة في جسد الوزارة تعمل بصفة المخرج لمسلسل الفساد المالي والإداري للوزير والمدراء العامين في الشركات المتواجدين فيها.

 

وقد توصل الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس 1842 – 1910 إلى هذا المطلب بنوع من التجارب النفسية فقال : (ترتبط ضمائر الإفراد في الباطن احدهما بالأخر دون اطلاع غالبا فمن يزكي نفسه يستطيع إن يطلع على تلك الضمائر عن طريق ارتباطها الداخلي بعضها ببعض مثلها مثل آبار ارتبطت منابعها تحت الأرض وانفصلت مواردها فوق الأرض) .

 

وأخيرا أقول منٌ يحمي القطيع إذا كان الرقيب فاسدا ؟.