بات من الطبيعي ان تتعامل اية دولة كانت مع الاضداد المختلفة من الدول بسهولة، و تكون على علاقات دبلوماسية مختلفة الاتجاهات في ان واحد بناءا على مصالح خاصة على العكس من مرحلة الحرب الباردة، و يمكن ان تبتعد الدول ايضا عن قاعدة راسخة منذ مدة، و هي تحالف جهات لها علاقات و توجهات متشابهة و تقترب الجهات الى تعاون مع الاضداد ايضا في المقابل . هذا ما نلمسه هذه الايام من التحركات النشطة غير المسبوقة من روسيا اليوم، بدوافع ذاتية سياسية دبلوماسية كانت ام اقتصادية، انها اصبحت المحرك الاساسي و تقدمت عن امريكا كثيرا في اللحظات الانية في التعامل و اللقاءات المختلفة مع الجهات العديدة و بالخصوص في منطقة الشرق الاوسط، انها تريد ان تجد لها موقع قدم راسخة بعد توقعها من التغييرات التي يمكن ان تحصل بعد تفعيل الاتفاق الامريكي الايراني و ما له من معطيات في المنطقة، وهي تقرا ما ياتي و كيف يؤثر هذه الاتفاقية و جوانبها و حاشياتها و افرازاتها المختلفة الجوانب على مواقف و توجهات روسيا و ما تسير عليه من فتور العلاقات مع بعض من الدول التي هي محسوبة على امريكا منذ مدة طويلة، و انها احست بالغبن و التهميش الجزئي لاخذ موقفها بنظر الاعتبار من قبل ايران و ما يحدث من تغيير موقف امريكا من ايران و سياساتها المستقبلية في المنطقة يقلقها كثيرا . روسيا الان تريد ان تسير بمسارين متوازيين، جانب مع ماهي سائرة عليه من قبل من دعم سوريا بكل ما تملك، و الاخر الانفتاح عن المناوئين لسوريا و الحساب لما تحدث مستقبلا، و ان كانت مصرة لحد اليوم عن مواقفها علنيا و ربما للحفاظ على شيء من خط الرجعة الممكنة، او اعتبارها مرحلة انتقالية من جهة الى اخرى مقابلة في لحظة معينة . انها تتحرك على قدم و ساق في تعزيز علاقاته امع دول لم تكن تتطرق الى التقرب منها لاعتقادها بانها محجوزة من قبل امريكا، و خاصة دول الخليج . ها نشاهد اليوم تحركات هذه الدول السريعة المكثفة الى موسكو، و في المقابل تحركات ممثل بوتين ميخائيل بوغدانوف الى الشرق الاوسط و خصوصا الخليج و المناطق الساخنة المتغيرة الاحوال و التوجهات و باشكال مختلفة . تحاول روسيا الخروج من مازق سوريا بفتح طريق يمكن ان تريح الحلفاء و الاضداد و من خلال الوسطية في التعامل مع القضية . فانها تتحرك باتجاهات متعددة سياسيا مع امريكا و الاتراك و المعارضة السورية من جهة، و دول الخليج و ايران من جهة اخرى، اقتصاديا مع المغرب و الاردن و مصر و العراق من جهة و القطر و السعودية و دول الخليج من جهة اخرى . اي يمكن لاي مراقب ان يشم رائحة اعادة ترتيب الورقة الروسية في الشرق الاوسط بناءا على مصالح بعيدة المدى و ما افرزته تداعيات الاتفاق النووي الايراني الغربي و ما يترتب عليه مستقبلا من التوجهات و العلاقات المختلفة في هذه المنطقة . اما اسباب سرعة التحركاتالمكوكية، فانها تدل على ان روسيا تحاول تعويض الخسائر الاقتصادية و السياسية السابقة الناجمة من ابتعادها كثيرا هذه المنطقة نتيجة مواقفها حول قضايا عدة فرضت نفسها عليها من جهة، و فرض او بناء علاقات دبلوماسية جديدة قبل تجسيد الاتفاقية النووية الايرانية و ما يبرز منها من جهة ثانية . ان الاتفاقية الايرانية الامريكية التي لم تُكشف لحد الان النقاط السرية فيها، الا انه يمكن ان تكون فيها ما يغير توجهات ايران، علاوة على ان الاتفاقية بذاتها تجعل ايران مفتوحة الايدي و غير مظطرة على ما تفعله الان في علاقاتها من روسيا و ما تسير عليه من توجه احادي القطب، دون اية مزايدة او مناقصة مطلوبة في السياسة و الاقتصاد في العالم لكسب اكبر قدر ممكن من الربح المادي و المعنوي . اي، الاتفاق النووي الايراني الامريكي، و ان كانت نابعة من توجهات امريكية و بدوافع وهداف سياسية بحتة و من مصالح ربما ضيقة ايضا، الا انها يمكن ان لا تقع على ما تعتقد امركيا من الناحية المصلحية لها، و يتوقع الجميع المستفيد الاول فيها هي ايران قبل اي احد اخر . و ربما تخسر امريكا ما بنته في منطقة الشرق الاوسط لصالح غريمها القديم الجديد روسيا ان نجحت روسيا في تحركاتها التي بداتها بقوة و خطوات مسرعة . و استغلت روسيا ما اثرته هذه الاتفاقية على فكر و عقلية و توجهات دول المنطقة و توقعاتهم في ما يحصل بسرعة حاسمة بعدها و ما يحدث من تداعياتها، للقض على اللحظة من اجل عدم تفويت الفرصة السانحة و بناء ما ترسم و تفيده في الوقت المناسب و القياسي .
|