قبل أيام وبالتحديد يوم 22 من شهر أب الحالي نشر د. جواد بشارة مقالا في موقع الحوار المتمدن عن علاقة السفارة العراقية في باريس بالجالية العراقية هناك وكان المقال مفصلا يذكر فيه د. بشارة دقائق الأمور حول مشكلة قائمة بين موظفة دبلوماسية ومواطن عراقي , ليست هي المرة الأولى التي يكتب فيها الدكتور بشارة مقالا في صحيفة أو موقع الكتروني فلديه مئات المقالات في عشرات الصحف والمواقع الفرنسية والعربية والمعروف عنه أنه موسوعي ويهتم بالكثير من الأمور رغم أن اختصاصه الدقيق هو الإعلام والسينما لكنه يكتب عن الفضاء وعن الفيزياء والعلوم الطبيعية وغيرها, بيد أن المقال الذي كتبه هذه المرة جاء مغايرا لسياق كتاباته وخارجا عن اهتماماته فما دفعه إلى الكتابة عن هذا الموضوع كونه طرفا حياديا في حل المشكلة التي تحدث عنها بإسهاب في مقاله , وقد أثار اهتمامي تسلسل الأحداث التي ذكرها د.بشارة وندرة التصرف الذي تحدث عنه , دفعني ذلك الى تحليل موضوعي لما ذكره د. بشارة والذي يعكس تدهورا واضحا في العمل الدبلوماسي العراقي والخروج عن النص الدبلوماسي بشكل سافر نتيجة لاستهتار البعض وعدم فهم البعض الآخر لحجم المسؤولية التي وضعت على عواتقهم , الا وهي مسؤولية أن تكون سفير العراق في فرنسا...
أولا... أبدأ باقتباس هذه الجملة من مقال د. بشارة ((عبارات مهينة وجارحة من قبل هذه الدبلوماسية وفي عدة مناسبات حسب شهود عيان شهدوا وسمعوا ما تفوهت به هذه السيدة وأغلبهم كان من طاقم السفارة العراقية عندما قامت بسب الجالية العراقية في أماكن عديدة داخل وخارج السفارة )) وهي توضح بان هناك أناس طارئة على العمل الدبلوماسي لا تعرف معنى وظيفتها فالدبلوماسية فن من فنون التعامل واللياقة واللباقة وليست للسب والشتم وتبادل الاتهامات وهي علم وفن كما أجمع على تعريفها فقهاء القانون الدولي وفقهاء الدبلوماسية والمهتمين بها, فكيف بمن يتصرف هكذا تصرف؟؟؟
ثانيا... أقتبس هذا النص الذي اقتبسه د. بشارة من رسالة للسفير((لكن ليس بهذا النص أدناه فهو يفتقد إلى نقاط أساسية حسب رأي مها والحقيقة أنا اتفق معها: أولا ليست فيه كلمة اعتذار، ثانيا لا يذكر فيه توزيعه المناشير أمام مسكني ))
أن من واجبات الدبلوماسي رعاية مصالح مواطنيه في بلد عمله فإذا كان السفير مسئولا عن ترسيخ وتمتين العلاقات مع الدولة التي يعمل فيها ويمثل فيها بلده فهو في الوقت ذاته مسئول عن رعاية شؤون مواطني بلده , فكيف لسفير أن يقف وقفة كهذه ويسوف ويماطل ويساند موظف مخطئ كما يوحي تسلسل الأحداث التي ذكرها د.بشارة ؟
ثالثا....في الجملة التالية ((لأول مرة تحصل حادثة من هذا النوع على الأرض الفرنسية بين جالية وسفارتها حيث تقوم موظفة دبلوماسية في السفارة العراقية بتقديم دعوة تشهير أمام المحاكم الفرنسية ضد رئيس المنتدى العراقي الممثل لجزء كبير من الجالية العراقية في فرنسا)), وهي ليست على الأرض الفرنسية فحسب بل لأول مرة تحصل حادثة من هذا النوع على مستوى العالم؟؟؟ ربما يعتبرها القارئ البسيط قضية اعتيادية , موظف يشتكي على مواطن, عشرات الشكاوى من هذا النوع , لكننا نحن المختصون بالقانون وغيرنا من المتخصصين بالعمل الدبلوماسي لا يعتبرها مجرد شكوى, لأنها ببساطة خرق صارخ للسمعة الدبلوماسية للبلد أمام البلد المضيف وأمام العالم أجمع, وإن كانت هناك مشكلة بين موظف دبلوماسي ومواطن فالأجدر بالموظف احتواء الموضوع أو إبلاغ السفير لحل الموضوع بهدوء وعلى السفير أن يحتوي الموضوع بأي ثمن قبل وصوله إلى الوزارة لا إلى المحاكم لأن ذلك سوف يسيء إلى سمعته العملية والوظيفية ويعكس ضعفه في حل الأمور البسيطة فكيف إذا حدثت مشكلة أكبر؟؟؟
رابعا.... ذكر د. بشارة هذه الجملة ((حسب شهود عيان شهدوا وسمعوا ما تفوهت به هذه السيدة وأغلبهم كان من طاقم السفارة العراقية عندما قامت بسب الجالية العراقية في أماكن عديدة داخل وخارج السفارة حيث كانت تتعامل مع أبناء الجالية بتعجرف وتعالي واحتقار)) ’ سب واحتقار وتعالي وتعجرف, وما يؤكد عجرفة هذه الموظفة وعدم احترامها لسلسلة المراجع ما ذكره د.بشارة في هذا النص ((وبالرغم من توجيهات وزارة الخارجية العراقية للمسئولين في السفارة العراقية إلى وضع حد لهذه المسألة إلا أن السيدة الدبلوماسية أصرت على المضي إلى آخر المطاف رغم التداعيات القانونية الخطيرة المترتبة على مواصلة الدعوى القضائية وهي سابقة خطيرة لم تحدث من قبل)). يكفي أن أسأل السؤال التالي ...أي دبلوماسي هذا الذي يتعامل بهذه الطريقة؟؟ وكيف أصبح دبلوماسيا هذا الذي يتحلى بهذه الصفات ولا يحترم أوامر وزارة؟؟
خامسا.... في الجملة التالية من مقال د. بشارة تقييم واضح ودقيق لعمل السفير الحالي لا يرقى إلى الشك من متخصص في مجال الإعلام , أن السفير الحالي على ما يبدو خاملا لا يعير أهمية للجالية ولا يقيم نشاطات ترقى إلى مستوى الجالية وخصوصا الجالية في فرنسا فعلى علمي أنها جالية نوعية وليست مجرد عدد كما في دول شمال أوربا وغيرها مع جل اعتزازي بكل عراقي يعيش في المهجر ((ثم تدهورت العلاقات أكثر فأكثر بين السفارة والجالية مما أدى إلى قيام السيد عبد الهادي الحافظ إلى كتابة بيان احتجاج ضد السفارة وقام بتوزيعه مطالباً فيه مقاطعة أنشطة السفارة العراقية على قلتها منذ تسلم السفير الجديد مهام عمله في فرنسا على خلاف ما كان موجوداً من ود وتنسيق بين الجالية والسفير العراقي السابق في فرنسا السيد موفق مهدي)) .....
سادسا.... يبدو لي ضعف السفير في علاج القضايا من خلال الجملة التالية من مقال د. بشارة ((استمرت الاتصالات والوساطات من قبل الدكتور جواد بشارة والدكتور وثاب السعدي مع السيد السفير لكي يقنع موظفة السفارة بالتنازل عن الدعوى ضد السيد عبد المهدي الحافظ واقتراح عدة نصوص معدلة بديلة لنص السيدة الدبلوماسية إلا أنها كلها باءت بالفشل)) سفير يمثل الدولة في دولة مهمة عضو في مجلس الأمن لها ثقلها وأهميتها لا يستطيع أن يقنع موظفة بسيطة على سحب شكوى؟ كيف لهذا السفير أن يقنع دولة مثل فرنسا عند حاجة العراق لها في موضوع مصيري؟؟؟
سابعا .... في هذه الجملة ((وأخيرا هناك علامة الاستفهام تفرض نفسها بشأن خرق السيدة الدبلوماسية للعرف الإداري المتبع في مثل هذه القضايا حيال كيفية الحصول على موافقة مباشرة من الوزارة دون التحقق من السفارة والسفير بالإضافة إلى المسؤولين في الوزارة ممن أعطى الموافقة وذلك لعدم توفر الشروط اللازمة،)) يطلق د.بشارة رصاصته القاتلة على السفير, ربما لا يفهم معنى هذه الجملة القانوني إلا خبراء القانون والمتخصصين في الإجراءات الإدارية وهي أن الموظف الدبلوماسي الذي يرفع دعوى قضائية في بلد العمل وليس في بلده عليه أن يبلغ الرئيس الأعلى وهو السفير أو القائم بالأعمال لكي يتخذ الأخير الخطوات اللازمة قبل أن يتصرف الموظف ومن أهمها التحقق من الموضوع من كل الأطراف المتنازعة والعودة إلى الشهود والقرائن والوثائق إن وجدت ثم إن كانت هناك إثباتات تدين أي طرف على السفير أن يستعين بالدائرة القانونية في الوزارة للاستئناس بالرأي والتوجيه لكن وعلى ما يبدو من تسلسل الأحداث التي ذكرها د. بشارة في المقال أن الموظفة تجاوزت السفير وحصلت على موافقة الوزارة في الشكوى وهذا تجاوز خطير من قبل الموظفة أما إذا كان السفير يعلم فأنه في نظري كمتخصص في القانون مشترك معها في الموضوع سواء أكان يعلم بخطورة الموضوع أم لا يعلم...
ولكي أكون حياديا في طرح الأمور خصوصا وأنني لا أعرف أيا من طرفي النزاع ولا حتى السفير نفسه وجدت بأن الطرف الآخر والذي لا اعرف اسمه إن كان (عبد الهادي او عبد المهدي) كما ذكره د.بشارة , فأن الرجل قد خطى خطوات صحيحة في طرح مشكلته سواء بطرحها أمام السفير أم أمام المفتش العام وكذلك احترامه دعوات بعض السياسيين من التروي وعدم رفع دعوى مضادة علما أنه الحل الأنجع في مثل هكذا دعاوى وحتى الاحتجاج الذي قام به فلعمري أن الرجل متشبع بقيم الديمقراطية الفرنسية في التعبير بهذه الطريقة عن الاحتجاج ... لقد فتح د. بشارة النار على السفير فأصابه .