الخيانة علّة مآسينا الكبرى وليس الفشل |
ألخيانة جليّة كجلاء الشمس في يوم صحوٍ مشرق، وهي: إنعدام الأمانة والنزاهة والإخلاص والعدالة والضمير في الفرد والمسؤول بشكل خاص. فوجود هذه العناصر الإيجابية، أي الخصال النبيلة التي يجب توفّرها في أعضاء البرلمان وفي دوائر المناصب الوزارية، بات ومنذ زهاء عقدين في حكم المفقود في غالبية البرلمانيين وفي غالبية موظّفي السلطة التنفيذية. في مجالات وسائل الإعلام، وفي أجواء وموجات التظاهرات الجارية منذ أوائل آب، ترددت كثيرًا كلمتا (الفشل) و (الفاشلين) برغم كونهما سبب الفسادين المالي والإداري، دعكَ من المفاسد الخلقية والضميرية والنفسية، فكل هذه المفاسد العفنة هي التي ألحقت الخراب الفظيع، واليباب المتجنّي الشنيع بكل مرافق العيش، وتدبير الأمور، وتصريف الشؤون، حتى بلغت الدرجة الأدنى من الأنحطاط التي تُداني الصفر: إجتماعيًا واقتصاديًا وتجاريًا وصناعيًا وزراعيًا وإروائيًا وتشريعيًا وسياسيًا. ومما يحزّ في النفس عميقًا، ويثير غضب الشعي جدًا، ويثير إسمئزاز الأجانب، انّ الفاسدين والمفسدين والخائنين لم يكتفوا بعدُ بما جنت اياديهم الملوّثة بوصمات العمل السيئ، ليوصلوا البلد والشعب إلى درجة أحطّ من الصفر. فيا لهذه القسوة ولهذا الظلم والإستهتار بالحقوق والواجبات الملقاة على عواتقهم، والتنكّر للقسم الذي أدّوه أمام الله وشعبهم! وقد بلغ مستوى لامبالاتهم حدّ عدم الإهتمام أو الخشية من أن أولادهم وذويهم سيواجهون دلائل الإمتعاض والإحتقار من الشعب والغرباء بسبب إرتكابهم المعاصي والمعايب والجرائر والخيانات، وخصوصًا بعد ان تُعلن أسماؤهم على الملأ فحقيقة الأمر هي أنّ العلّة الأصلية لكل هذه المثالب الشائنة ـ وعي علة العلل ـ ليس " الفشل" المزعوم، بل ، وبباث كبير : الجشع المهول، هو الخيانة بكل معاييرها: ألأمانة والمسؤولية والواجب والإخلاص والعدالة والضمير، إضافة إلى اليمين الجهوري الذي حنثوه ـ يمين الإخلاص الذي أدّاه الإداريون الكبار، والعسكريون أصحاب الرتب العليا ودونها. فالفارق كبير بين الفشل أو الإخفاق في النجاح والتوفيق بسبب عدم المقدرة وقلة الكفاءة لوجود عجز ذاتي في الفرد المسؤول، وبين الخيانة التي تعني التقصير المقصود والمتعمّد في أداء الواجب بشكل تام وأصولي ونزيه، والمنوط بالمسؤولين الكبار أولاً في إدارة شؤون البلد والجمهور، ثم بالمسؤولين الأدنى رُتبًا، متناسين أو غير مبالين بالقسم الذي أدّوه قبل تسنّم مناصبهم، فكان التهاون على مسهد ومسمع من رجال الدين والمرجعيات الدينية الذين هم أولى من غيرهم في تقدير مكانة القسم بإسم الجلالة الية تحمله الراية العراقية منذ ربع قرن، فكان التهاون في الأداء الناجز النزيه النظيف وخصوصًا في مجالات إبرام العقود مع المقاولين واالشركات الحقيقية أو الوهمية، والتخلّي عن ملاحقة والقبض على المقاولين الأصلاء أو الثانويين المتهرّبين من ميادين العمل بعد تسلّمهم أول أو ثاني دفعة على الحساب مقابل المرحلة الأولى او الثانية من تفيذ عمل المقاولة او المشروع. إن الذين جيء بهم منذ الوهلة الأولى ـ بعد كارثة 2003 ليتبوّأوا مناصب السلطة التنفيذية ( وزراء، مدراء، خبراء)، وليُشغلوا كراسيهم في قاعة البرلمان، لم يكونوا في غالبيتهم مؤهلين ولا قاصدين أن يخدموا الوطن ويبنوه بعد خراب جزئي ونكسات وعثرات وحروب متوالية، ولا ليخدموا شعبهم المنكوب والمنكود، وليعينوه في رفع مستوى العيش، وتحسين أوضاعهم المزرية المتخلّفة الزاخرة بالجهل والفقر والمرض، بل لقد تقاعسوا كبارًا وصغارًا عن تأدية الواجبات بأمانة وإخلاص ونزاهة، وعن تقديم الخدمات الحيوية العامة في نواحي الماء النقي والكهرباء الوافية، والنظافة ومجاري الصرف الصحّي، وتبليط الشوارع والطرق والأزقة، وتوفير العقاقير والعلاج ودور الأستشفاء، وتشييد المدارس وتزويدها بحاجاتها، وبناء المساكن لذوي الدخول الواطئة، وتوفير الأمن ( على الرغم من أنّ شاشات التلفاز كانت تعرض كل تلك السلبيات والإحتياجات الضرورية)، لكنهم تهافتوا كالذباب والزنابير على تبوّإ المناصب والكراسي والوظائف، ليجنوا من خلالها(عبر وساطات وتزكيات طائفية، بل عبر شراء وظائف ومناصب بأسعار محدّدة ) أموال الحرام والإرتشاء، علاوةً على رواتبهم العالية، حتى لو كان المتهافتون على تلك المناصب والكراسي غير مؤهّلين أو قادرين أو مخلصين أو نزيهين بعد ثبوت ذلك خلال الشهور الثلاثة الأولى ـ مثلاً ـ من تبوّء مناصبهم. كان دور الطائقية دورُأ شديد الفاعلية في استشراء ضروب الفساد، لأنه كان مجرّدًا من فضيلة حب الوطن ومراعاة توفير فرص العمل النظيف الكفوء المجرّد من نزعة الإنحياز الطائفي الذي يصبّ في حوض عدم العدالة والديقراطية والمساواة، وكلها ئؤدّي إلى الفساد والعجز الشامل في كل مرافق الدولة والمجتمع. فقد كانت نزعة الطائفية إحتكارية ومفرطة في انانيتها. وثمة مفردة أخرى كثر تداولها على ألسن الإعلاميين والمتظاهرين، هي كلمة " سياسيين"، لتعني (عن غير جدارة وأهلية واستحقاق) غالبية نوّاب البرلمان الهمام، وغالبية الوزراء وخبرائهم ونوّابهم ومدرائهم، وأعضاء مجالس المحافظات ، منذ نيسان 2003 وحتى هذه اللحظة من الرابع والعشرين من آب 2015، فأفراد هاتين الأغلبيتين ليسوا " سياسيين" ، بل هم لصوص من نوع خاص في الجشع والحرام، وهم خائنون أولاً ثم فاسدون ومفسِدون، ويستحقون العقاب بدرجات متفاوتة، والإعدام في مقدّمتها. فقد جرّعوا الشعبَ سمومًا، وأفعموه همومًا، وأثخنوه جراحُا، وأغرقوه دِماءً، ومع كل هذه المقترفات والمآثم التي اقترفوها وما برحوا يتمسّكون بها، لا يبدو الإكتفاء عليهم. فكلمة "سياسي" تعني المخلص ، الأمين، النزيه، المستقيم، الوطني. وعلى ذكر الرشوة، يُطرح هذا التساؤل : أليس الأرتشاء من المحرّمات الكبرى في الإسلام ، ويُجرّم طرفاها: الراشي والمرتشي؟ ما كان أوطأ الأصوات الشاجبة لهذه المعصية السيئة ـ صوت رجال الدين! (أنظر سورة البقرة 188). وما كان أضعف الإجراء الرادع لإستشراء الرشوة ـ إجراء ممثلي السلطتين التنفيذية والقضائية! ( أنظر القانون المرقم 111 من قانون العقوبات البغدادي لعام 1969 وتعديلاته النافذة (المواد 307 ـ 314). فكم قضية من آلاف آلاف هذه المعصية الشرعية والقاانونيية قد سُجِلت وأحيلت إلى القضاء ، وبتّ القضاء فيها بالتجريم المنصوص عليه" فليتفضّل السلطويون والمتسلّطون والقضائيون بإطلاع الرأي العام على عدد هذه القضايا! أتوقّع أنّ عددها قليل جدًا، أو غير موجود أصلاً ! لقد صبر الشعب العراقي على الظلم والجبروت الحكومي وعلى إهمال حكومته وتعسّفها الأمني والإداري صبرًا جميلاً وطويلاً جدًا (12 عامًا) ولم يصبر نظيره( بمظالمه وتخلّفه وكوارثه) شعبٌ أخَر في القرن الماضي وأعوام هذا القرن، ومع كل تلك المساوئ ما انفكّ خائنون كثيرون، يُسمّون ساسة، في البرلمان ومجالس الوزراء الحاليين والسابقين يحيون حياة الجنوح والإقراف والفساد، ويعربدون ويغالطون ويزيّفون لكونهم سكارى بخمرة السلطة الغاشمة، فبات الآن جليًا ـ كما يبدو من بعض الأراجيف والإنكار والتنكّر والإجتماعات والتصريحات الجوفاء ـ وسط إعلان التصريحات الترقيعيةـ أجل بات جليًا أن من الحق والصواب والواجب على الشعب والعقلاء والمرجعية الرشيدة أن يلجأوا إلى إنزال خونة الشعب والوطن عن كراسيهم، ويُقصوهم عن مواقعهم ومناصبهم بكل الوسائل الثوريّة المنظّمة الموحّدة، وإذا أحجمت الوسائل القضائية والإدارية عن تلبية مطالب الشعب المعلنة رسميًا وجهرًا، والبدء بتنفيذها جذريًا وآنيًا، فمن حق الشعب أنئذٍ أن ،وهذا العنف الثوري معلوم عالميًا وجرى اتّباعه في وقائع ثورات الشعوب العنف الثورييلجأ إلى من أجل الإصلاح ونشر العدل، وسيادة القانون فعلاً وتطبيقًأ على الجميع سواسية. إن المحللين وحسني الإطّلاع يتوقّعون إخفاق أو إحجام الوساشل القضائية المنشودة لتكون في طليعة السلطاات التي يجب ان تقوم بتفعيل الإجراءات الإصلاحية التي يلحّ الشعب على إجرائها عاجلاً وكا أفتت بذلك المرجعية الرشيدة، وبما ان السيل قد بلغ الزبى، وصبر الشعب الطويل قد نفد، في حين لم يفق خائنو السلطة من سُكرهم السلطوي الإنتفاعي المنكَر، بل هم ما برحوا في جهلهم وإثمهم يعمهون ويدّعون إن الحق بجانبهم(!) وأن الشعب غير جدير باحترامهم وصونهم واهتمتمهم، بل هم وحدهم ( رغم خياناتهم ومفاسدهم) يستحقون الحياة والكرامة وخيرات الوطن! فالجماهير الشعبية حينئذٍ تغدو ( مدعومة تمامًا بفتاوى المرجعية الرشيدة ومؤيدة بالتظاهرات الشاملة وبوسائل الإعلام الوطنية الرشيدة المخلصة) مُحقة في إنزال الفاسدين والمفسدين والخاثنين عن كراسيهم الوزارية والبرلمانية، لأنّهم تنكّروا لتلبية مطالب الشعب العادلة الضرورية التي حُرم منها أعوامًا برغم دستوريتها. فالشعب أولاً وآخِرًا هو مصدر السلطات. بلغت سوء النية وضحالة الرأي بوزير النقل قبل أيام قلائل، وبعد ضجّة الإصلاحات التي يبدو أنها أزعلته، أن يقول إن كل المتظاهرين لا يمثّلون كل الشعب العراقي. فأقول متسائلاً: هل البرلمان بكل أعضائه يمثّل كل أطياف الشعب العراقي في أمانيه وطموحاته ومطاليبه وحقوقه الدستورية والتشريعية، كما يعرفها المفكرون والحقوقيون والمثقفون. ما هو عدد المثقفين بحق في البرلمان؟! كل عاقل ومنصف يقول : كلا،أعضاء البرلمان لا يمثلون أطياف وأصناف وطبقات كل الشعب العراقي .إنهم يمثلون أنفسهم وأطماعهم المادية حتى لوكانت من خلال الفساد وسرقة المال العام، فلو كان البرلمان يمّثل كل الشعب العراقي، لما إضطرَ الشعب ان يثور مطالبًا بالإصلاحات وبإسقاط البرلمان ، ولما سرى الفساد بأنواعه الى الوزراء والدوائر والمؤسسات. وما يُقال عن البرلمان في هذا الصدد يقال أيضًا عن الكابينات الوزارية ، فجميع أعضاء الكابينات الوزارية، خلال 12 عامًا لم يُمُثّلوا يومًا كل الشعب في أطيافه وطبقاته وصنوفه وحاجاته وتلبيتها كما أعلنتها جماهير المظاهرات قبلاً ومؤخّرًا. والحقيقة إن عناصر المظاهرات بشعاراتها ولافتاتها ونداءاتها ومطاليبها كانت حتى الآن أقرب وأصدق تمثيلاً لجميع شعب العراق والمطالبة بتحقيق أمانيه الوطنية والمعيشية،وحقوقه المهضومة والمحرومة، من كونها ممثلة في البرلمان ومؤسسات السلطة التنفيذية، وما يَدعمها ويُكملها أصوات المثقفين والأدباء والكتّاب والحقوقيين والمحللين وحتى المتفننين جميعًا على صفحات جريدتَي (ألزمان) و (المدى)، فضلاً عن منبر قناتَي التلفاز (البغدادية) صوت الشعب ، و (الشرقية نيوز). لم يكتفِ السكارى بخمرة السلطة بمقولة وزير النقل الآنف ذكرها، بل نطق السيد نوري المالكي، بعد يومين من رجوعه إلى بغداد، بمقولة تقارب الكفر وزنًا لا نوعًا، وتضاهي الجورَ على الحقيقة والمنطق: إنّ المتظاهرين أوالمظاهرات هي ضدّ الدين! فهل حقًا ـ يا عباد الله المُتّقين ـ أصحيح إنّ المتظاهربن هم ضدّ الدين؟ ماذا قالت وتقول المرجعية العارفة الآن في هذا الصدد؟ وماذا يقول فقهاء الشريعة والقانون؟ ألم يُجِز الدستور تظاهر الشعب، أم أن الدستور يضادد الدين في هذا الموضوع؟! يبدو أن موبقات اللصوصية والأبلسة والخيانة والفساد (التي بلغت ألأوج في عهد ولايتَي المالكي) ما تزال أعمالاً وأقوالاً مبرّرة وليست ضدّ الدين والشريعة والقانون ! أمّا مقولة خبير لجريدة"الزمان" ( ليوم18 /8) بكون (القضاءغير مُلزَم بتقرير لجنة سقوط الموصل، وبكون قانونية البرلمان تؤكّد حق المتهمين في الطعن)، فأُعَلّق بالقول: لماذا إذن أُضيع الوقت الطويل جدًا (سنة يعد تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية) لإنجاز هذا التحقيق؟! ألا يعني صمت الخُرس في مجلس القضاء، وعدم مبادرة رئيسه إلى تأليف لجنة خاصّة، لإجراء التحقيق قبل تشكيل اللجنة البرلمانية، أنّ مجلس القضاء كان مقصّرًا في أداء الواجب الآني، أو كان متواطئًا مع الخائنين والفاسدين والمفسدين الذين لبثوا ناشطين في حكومة العبادي؟ منذ البدء في 2003 جرى الفساد والقصور والخيانة في مرافق الدولة والجيش والأمن الداخلي، وكان مولده وسببه الرئيس في مجلس القضاء الأعلى، أعضاءً ورئيسًا. فجُرم مجلس القضاء كبير وخطير وشديد الضرر. ولو لم يكن البرلمان مفعَمًا بالفاسدين والخائنين في كل دوراته، لما فسد القضاء والحكومات المتعاقبة حتى الآن. وجُرم البرلمان أيضًا كبير وخطير وشديد الضرر. متى يتقي اللهَ الفاسدون والمفسدون والخائنون، ومتى يعترفون بجرائرهم ومثالبهم، ويندمون على ما جنت ايديهم بحق الوطن والشعب؟ إنّ لسان حال الشعب اليوم وغدًا هو: أنا الشعبُ دَومًا أُريدُ الحياة ولا بدّ للحقِ أن ينتصِر أنا الشعبُ أبغي زوالَ الفساد ولا بدّ للبغيِ أن يندثِر |