لا يتم اختيار أسلوب الكفاح بعفوية، انما وفقا لعدد من المحددات منها إلى جانب أمور أخرى: طبيعة النظام السياسي، الظروف الموضوعية الملموسة التي يمر بها البلد في اللحظة المعينة. كما يأتي في المقدمة الهدف المحدد من للاحتجاج والمطلب المراد تحقيقه. وبما ان العراقيين حددوا هدفهم بإصلاح النظام السياسي وليس إسقاطه، إي لم ان المطالبات لم تذهب في اتجاهها العام نحو إسقاط الحكومة، والغاء البرلمان، وحل السلطة القضائية، انما ركزت على إصلاح النظام السياسي عبر تخليص السلطات الثلاث من المحاصصة الطائفية والفساد والترهل، فقد اختار المواطنون الأسلوب السلمي ووسائل اللاعنف لتحقيق ذلك. وحقا هذا مدعاة فخر لانه يدل على وعي شعبنا وتحضره، وإلتزامه احترام الممتلكات العامة والخاصة، وعدم التعرض الى القوات الأمنية او استفزازها، مع ما قد يرافق ذلك من انتهاكات صارخة بحق المتظاه?ين، مثلما فعل بعض الضباط والمراتب، وسقط جراء ذلك عدد من الشهداء، ثلاثة منهم في محافظة البصرة. ويبدو ان أوامر باستخدام الرصاص الحي والماء الساخن، قد صدرت من بعض المسؤولين في المحافظات، ومن الموالين لرموز الفساد الذين يحلمون بفض الاحتجاجات عبر الأساليب غير الدستورية، بضمنها استخدام العنف والتضييق والقهر والضغط النفسي. لكن ورغم تكرار حالات استخدام العنف، لا يمكن اعتبار ذلك وجهة حكومية مركزية منظمة. وقد نفى السيد رئيس الوزراء إصدار اي توجيهات بهذا الشأن، وشدد على عدم التعرض للمحتجين، وعلى وجوب حمايتهم. بطبيعة الحال هناك عدة مستويات للكفاح السلمي، وأساليب اللاعنف من التنوع بحيث تصعب الإحاطة بها. ويبدو ان الأسلوب الذي يرى العراقيون انه ممكن ومجدٍ في هذه اللحظة، هو المظاهرات المحددة في ساعات معلومة، وساحات معينة. كما ان بعض المحتجين لجأوا الى الاعتصام، مثلما حدث في محافظتي البصرة وبابل، حيث تم فض الاعتصامين بالقوة عبر استخدام السلطات أساليب متنوعة من الضغط والإكراه، وفي المقدمة الاستخدام المفرط للعنف، ما ادى الى سقوط عدد من الجرحى بين المعتصمين. وتجدر الاشار ايضا الى النشاطات التي نظمها العراقيون في الخارج، في الساحات العامة وامام السفارات العراقية، بهدف دعم حركة الاحتجاج وتعضيدها. وكانت هي الاخرى وقفات تضامنية في مواقع محددة واوقات معلومة، ونجحت في توجيه رسائل مهمة أكدت من خلالها الوحدة الوطنية، وروح التضامن، والعمل بهمة لتحقيق هدف الإصلاح والتغيير المنشود. ويسعى منسقو ومنظمو حركة الاحتجاج الى الحفاظ على الطابع السلمي للاحتجاج، نظرا لقدرته على حشد أوسع حضور، واستقطاب قطاعات مهمة من الناشطين الذين يحرصون على المشاركة في صنع مستقبل آمن ومستقر للشعب العراقي. وهم بهذا يفوتون الفرصة على محاولات رموز الفساد لإفشال حركة الاحتجاج، عبر دس أتباع لهم بين المتظاهرين، لافتعال تصادم مع القوات الأمنية، وتوتير وشحن الوضع وتأزيمه، وجر المتظاهرين الى التصعيد وخلق حالة هيجان وفوضى ، بهدف إفشال المظاهرات وإحباطها. رغم الانتهاكات التي وقعت، هناك قناعة تترسخ بان الأسلوب السلمي ووسائل اللاعنف، تسهم في حفظ الأرواح والممتلكات. وان اللجوء الى الأساليب العنفية يفقد الحركة اتساعها، ويحجّم المشاركة فيها، ويضعف الإسهام في العمل الاحتجاجي. هكذا يتعمق ويتعزز الوعي بضرورة استخدام الوسائل اللاعنفية، وذلك من النتائج الجانبية المهمة لمسيرة الاحتجاج عندنا وثقافتها.
|