رفدتنا الاساطير السومرية وموروثنا الشعبي بحكايات وقصص معبرة, فيها كثير من الدروس الانسانية والعبرة في التعامل مع المواقف الصعبة والغريبة, ويعتبر "الطنطل" الكائن المراوغ المتحول الى اشكال مختلفة, من اكثر ابطال تلك القصص غرابة, ويطلق عليه في اهوار جنوب العراق بـ (الماصخ) لأنه لا يتناول الخبز الذي فيه ملح.
هنالك اوجه تشابه كثيرة بين معاناة ومأساة سكان العراق القديم, التي تواردت عبر القصص المريرة في موروثنا والتي أيدها الرحالة البريطاني كافن يونغ في كتابه "العودة إلى الاهوار", وبين المآسي التي يعيشها الشعب اليوم, من خلال مراوغة السياسيين, وتلبسهم بأوجه مختلفة اغربها شخصية "رجل الدين", والقدرة على الاقناع بالسن مختلفة وتحريف الكلم.
ولابد من ذكر قصة ذاك "الطنطل" المتمثل بهيئة انسان, الذي رافق احد صيادي السمك في المركب, وعرض على الصياد ان يقوم بمساعدته في الصيد, على ان يتقاسم معه السمك مناصفة, وكان يصطاد السمك بغزارة وهو يتراقص ويضحك بصوت عالٍ, حتى امتلئ المركب بالصيد الوفير, حينها اشار على الصياد بان يتقاسمان السمك, فقام الصياد بالتقسيم, لكن "الطنطل" رفض تلك القسمة بحجة انها غير عادلة, واعاد الصياد التقسيم عدة مرات دون جدوى, حتى لاح خيط الفجر, فصرخ "الطنطل" في وجه الصياد, واختفى ومعه السمك الذي كان يملئ المركب.
وتلك القصة اقرب الى حال الشعب الذي يعمل ليل نهاراً, ويقضي الوقت والجهد في الصبر, ليحصل على الحقوق المشروعة, دون جدوى, وسط مراوغة ومكر وضحك السياسيين, الذين عاثوا بالبلاد فساداً, بشهادة المرجعية الرشيدة التي نادت بان "للصبر حدود" ولابد من اصلاحات حقيقية للقضاء على الطناطلة الماصخين, والذين تتعدد اسمائهم واشكالهم, كل حسب الموقع الذي يعمل فيه, بأثارة الفوضى والفساد ومصادرة حقوق الاخرين.
وارى ان الوقت مناسب لنحذر ابنائنا من مخاطر اولئك الطناطلة, كما كان فعل اجدادنا الاولين, وان نقوم برفع صور المفسدين في تظاهراتنا المطالبة بالإصلاحات وتلبية دعوة المرجعية, وان نكتب تحت كل صور عبارة "احذر الطنطل الماصخ", ولا ضير بان نرش الملح عليها, ونغرز الابرة والمخيط او الة حديدية, لنخلص من شرورهم, كما كان يفعل الاجداد.
|