إنهم يستغفلونا كل يوم ويريدون استمرار ذلك باسم الدستور


يستطيع كل عراقي مخلص الجزم ، بان في العراق محترفين من الدرجة فوق العادة ممن يستغلون الفرص أبشع استغلال لتحقيق مآربهم في أي مجال ، والهدف هو نهب ثروات الشعب وليس تحقيق الربح ، لان ما يتم الحصول عليه خارج الإطار الاعتيادي والمشروع لا يعد ربحا قط ، ففي ظل الانخفاض الكبير جدا في أسعار النفط والذي سيصل فيه السعر إلى ربع ما كانت عليه في 2014 ، لم يلمس العراقيون أي انخفاضا في أسعار السلع والخدمات رغم إن أكثر من 90% مما يستهلكه العراقيون هو من الاستيراد ، والأسواق العالمية شهدت انخفاضا كبيرا في الأسعار باعتبار إن النفط يشكل عنصرا مهما من مجموع التكاليف ، والأكثر من هذا فان الأسعار في الأسواق المحلية تشهد ارتفاعا يثير الذهول ، فسعر طبقة البيض وصل إلى 7500 دينار اليوم بعد أن كان سعرها لا يصل إلى 4000 دينار قبل شهرين ، وينطبق الموضوع على السلع الأخرى المستوردة من الخارج ,، فبعضهم تحجج بفرض التعريفة الكمركية ، ولكن التعرفة لم تطبق لان رئيس مجلس الوزراء اصدر أمرا بإيقافها في الوقت الحاضر ، باعتبار إن إقليم كردستان لم يلتزم بها من الناحية العملية .
وان ما يجري في العراق بخصوص ارتفاع الأسعار ، لا يمكن أن يكون عفويا لان جميع الأمور تدار بشكل متقن جدا ، والقاعدة السائدة سابقا وحاليا إن كل ما يرتفع سعره لا يمكن أن تنخفض أسعاره مهما تحسنت الظروف ، ولكي نعطي أمثلة على ذلك فان الأسعار ارتفعت عندما وصل سعر صرف الدولار إلى 1470 دينار ولكنها لم تعود إلى حالها بعد أن عاد السعر إلى 1210 دينار ، رغم إن الدولة اضطرت لضخ مليارات الدولارات ، وعندما تمنع وزارة الزراعة الاستيراد لدعم المنتجات المحلية فان الأسعار ترتفع ولكنها لا تنخفض بعد رفع المنع ، وينطبق الأمر نفسه عندما تحظر وزارة الصحة استيراد بعض السلع لأسباب وبائية إذ ترتفع الأسعار ولا تعود لحالها بعد زوال الأسباب ، ومما يخالف كل النظريات الاقتصادية إن أسعار العقارات بارتفاع رغم الارتفاع في أسعار التسوق والانخفاض في الأسعار العالمية ، مما يدل على إن من يستفيد من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية التي تخص حياة المواطن البسيط ، يستطيع التحكم بالعملات الأجنبية كونها متاحة في مزاد البنك المركزي أو دكاكين الصيرفة في المصارف الأهلية ومكاتبها المختصة بتحويل العملات ومن خلال التحكم بأسعار السوق .
ومما لا يقبل الشك ، فان إحراق وتفجير أسواق الجملة في الشورجة وجميلة وفي المحافظات لا تخرج عن هذا الإطار ، فالهدف واحد وهو ارتفاع الأسعار وتكريس هذا الارتفاع لأطول مدة ممكنة لجني الفوائد التي يسمونها ( أرباح ) ، وهذه المؤامرات ليست مدبرة من الخارج فحسب وإنما يتداخل بها الفساد الإداري ومن خلال شبكات منظمة تقوم بتنفيذ مخططات ( الحيتان ) ، حيث يتولى الفاسدون إصدار القرارات التي تتيح لأسيادهم إدخال السلع والبضائع في التوقيتات التي يرتفع فيها الطلب ويقل العرض الداخلي أو الخارجي ، وتقف الجهات المعنية في الأجهزة التنفيذية عاجزة عن اتخاذ أي إجراء والعجز واضح الأسباب من حيث التقصير والقصور ، إذ لا توجد آليات للتسعير والسيطرة والتأثير على الأسواق أو منافسة الآخرين ، فالأسواق المركزية تحولت إلى جثث هامدة رغم إنها تضم آلاف الموظفين ممن يستلمون رواتبهم شهريا ، والأمن الغذائي مفقود تماما لان اغلب أمور الدولة سلمت للقطاع الخاص من دون أية ضمانات ، أما وزارة التخطيط فإنها تكتفي بنشر أرقاما دورية أو سنوية عن نسب ومعدلات التضخم ، من دون أن تعرض معالجاتها في التصدي لما تعرضه لعلاقته بحياة المواطنين .
وليس الطمع والجشع والاستحواذ على الثروات والأموال هي الأهداف النهائية لتلك الحيتان ، فالغرض المخفي هو بث روح اليأس وتشجيع ظهور السلوكيات غير المرغوبة اجتماعيا في بيئتنا العراقية ، والفئة الأكثر استهدافا وتضررا هم من الشباب الذين لا يجدون فرص العمل وتنتشر بينهم البطالة بشكل فظيع فالدولة لم تعد قادرة على استيعابهم في أجهزتها لكثرة البطالة المقنعة ، وبعضهم تحولوا إلى عبء على عوائلهم لان اغلب العوائل العراقية تدبر أمورها اليومية بالكاد نظرا لارتفاع نفقات المعيشة وغلو الأسعار وكثرة المتطلبات مقابل انخفاض الدخول ، فأكثرهم يعتمدون على الرواتب الحكومية والتقاعدية التي لم تزداد منذ سنة 2008 ولحد اليوم ، ولعل وجود الشباب في التظاهرات التي تطالب بالحقوق والإصلاحات هي واحدة من وسائل التنفيس لهمومهم العديدة في الحياة ، والمشكلة إن جزءا مما يقابل التظاهرات يعبر عنه بالتسويف والمماطلات ، الأمر الذي يعرض البلد إلى مخاطر جمة فيما لو أدرك المتضررون من أبناء شعبنا بأنه لا حلول لما يعانوه ، فالضغط يولد الانفجار ولان حجم الضغط كبيرا فان أمورا قد تحدث بشكل لا يحمد عقباها ، وبذلك سنخسر جميعا هذه الفرصة وتنجح الحيتان مرة أخرى باقتدار .
وليس الهدف من هذه الكلمات بث روح اليأس وإنما للتذكير بصعوبة الموقف والحال ، فالأخبار عن انخفاض أسعار النفط تثير خوف الكثير ممن يعتمدون على المرتبات التي تدفعها الدولة بعد أن احترق الزرع والضرع ، فحين تصل أسعار النفط لأقل من 30 دولار تصبح الدولة عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها لوقت طويل لأنها ملزمة بدفع أجور شركات جولات التراخيص ، كما إن عليها الاستمرار بمواجهة الدواعش في جبهات القتال الذين يتغذون من أموال السحت والفساد ، والمشكلة الأكبر إن الشعب بات يخاف والفاسدون يسرحون ويمرحون ولم يتم ضربهم ( بيد من حديد ) كما طلبت المرجعية العليا وهو ما ينتظره الشعب ، وحزم الاصلاحات التي صدرت والتي ستصدر قد أصابها الحياء لكي لا تتعارض مع الدستور ، والأمر الذي يزعج الناس كثيرا هو التمسك والتمشدق بالدستور الذي كتب على عجل وفيه ملايين الشبهات ، في حين إن الفاسدين يحرفون ويخالفون كتاب الله ( القرآن الكريم ) وسنة نبيه المصطفى ( ص) وسيرة آل بيته الأطهار ( ع) ، فأي دستور يتحدثون عنه وهو قابل للتغيير بأيام لو حضرت الإرادة الحقيقية للتغيير ، إنهم يستغفلونا كل يوم ويريدون استمرار ذلك باسم الدستور . والله ( وليس الدستور ) منهم براء .