ليس من الصعب أن يظهر الانسان على شاشة التلفاز ويصرح بشيء يكشف من خلاله عن معدنه الحقيقي وإفلاسه التام، ويتحدث بلهجة ولغة متشنجة ينقصها الأدب واللياقة، وبكلام غير مهذب وجارح مهين بعيد عن الأعراف الأخلاقية ويوجه الإهانة إلى الذي لايستحق غير التقدير والاحترام، ويستخف بالشعب ويحاول أن يغطي على وقاحات فاضحة وأفعال نتنة وفساد ووساخات لاتعد ولاتحصى..
في العراق الفاسدون المتضررون من إزاحة المالكي وتجريده من المنصب، يحاولون تحميل جرائمه لأناس من أعدائه وربما أتباعه الذين هبطت عليهم السلطة والثروة دون حساب أو إستحقاق وفوق كل خيال، وهم على يقين بأن لا أحد يستطيع منح نوري المالكي العصمة ويتعهد له بإنقاذه من العقاب العاجل أو الآجل، ولن ينجيه الغضب والانفعال والمشاكسة والمشاغبة والنفاق وإلقاء التهم على الآخرين.
البعض يقول، سوف يستقتل المالكي ويستميت من أجل استعادة أمجاده، بأي ثمن ويسخر أمواله المختلسة وصداقاته وعلاقاته، ويوقع على مساومات وتنازلات ويعقد الصفقات ويرفض سقوطه المدوي في مزابل التاريخ، وربما سيشعل الحرائق ويؤجج النزاعات ويستغل الفقر والجوع والضائقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ولكن، الذين يريدون العدالة وسيادة القانون، ويرغبون في إنصاف الشعب أكثر بكثير من المتوهمين الذين مازالوا يؤيدونه، وقامة الملفات والشكاوى والقضايا والمخالفات القانونية والدستورية المتراكمة ضده، أعلى بكثير من قامته وقامات الذين يؤيدونه في الباطل، وملف سقوط الموصل هو ليس الملف الوحيد الذي تجب محاكمته عليه، فهو الذي قال (ما ننطيها)، لم يختر مستشاريه الكذابين (أصحاب الشهادات المزورة) ومساعديه النصابين ومرافقيه الشتامين على الأساس الكفاءة والخبرة والنزاهة، وأثبت عدم نزاهته وأمانته أكثر من مرة حين لجأ إلى تسقيط خصومه السياسيين بتلفيق الملفات والتهم، وحين احتفظ بملفات تخص العديد من المسؤولين المناوئين له والمقربين منه، واستغل تلك الملفات لتهديدهم وابتزازهم. وهو الذي سطا على سلطات القضاء ليحكم كما يشاء على خصومه، بتهم الاختلاس والارهاب والعمالة، كما تمرد على الدستور والبرلمان وكل القوانين، وجمع عدداً من المناصب بيده وهيمن على وزارات ومؤسسات وهيئات عدة، وتستر على عورات المرتشين والفاسدين والمختلسين وفضائحهم ومخالفاتهم، وغلق سجلاتهم الغادرة والفاجرة، وقام بتهريب المقربين منه الى الخارج، وتهريب عتاة المجرمين من السجون، ومارست عصاباته كل أنواع الانتهاكات لحقوق الانسان في سجونه ومعتقلاته تجاه الرجال والنساء..
لقد مارس الحماقة الكبيرة، وتجاهل التهديدات المتنوعة والمختلفة، وسخر جميع إمكانياته لمهاجمة الآخرين من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وساهم بنوازعه في ارتفاع بورصة التخيلات ونشر الهرطقات والممارسات اللاأخلاقية التي تشحن الشارع نحو المزيد من الخلافات والإنشقاقات وسقي جذور الفرقة، وهبت مع تلك الهرطقات موجات التشهير والتسقيط واحتدمت الشدائد وتصاعدت ذرات الدجل، ولكن الاحداث مهدت لوعي جديد قد يتجاوز الحد المعقول..
اليوم باتت اللعبة مكشوفة، وأصبحت الطرق سالكة ومفتوحة، وجاءت اللحظة التاريخية الفاصلة بين ما قبلها وما بعدها، لحظة تلقي بثقلها على مسيرة الحاضر والمستقبل، ويتبين فيها زيف الأفكار والشعارات والمفاهيم الوطنية والانسانية التي كان ينادي بها، وتأكد الجميع من أن الاوجاع لاتوارى بحفنات من التخمين والمماحكات والادعاءات والمزايدات السياسية على حب الوطن والشعب وحماية القانون والدستور، وتبين أن العبث وفق معطيات العصر، يعني الخسارة، والأحكام الصارخة على الناس دون أدلة دامغة إنما تزيد التشنج وقد تحدث هزات وارتدادات تصيب من لايسمع التحذيرات ويهندس الدسائس والمكائد، وتوصل الجميع الى يقين مفاده : لابد من إنصاف الملايين من الاطفال الذين أصبحوا أيتاما مغدورين ودون مدارس، والملايين من العمال والفلاحين الذين غدوا دون عمل، والملايين من العراقيين الذين باتوا لاجئين ومهجرين .. كل هؤلاء وغيرهم يتمنون إلقاء القبض عليه وتقييده بالسلاسل، وإيقافه أمام محكمة، ومشاهدته لآخر مرة عبر شاشات التلفزيون .
|