السلوك الكردي مع بغداد هذه الأيام، يفسر على أنه مقاطعة للعملية السياسية برمتها، وليس مقاطعة لحكومة المالكي، وذلك من الممكن أن يأتي بنتائج عكسية، قد تكون لصالح المالكي.
في كل يوم يمر على هذه المقاطعة، يصبح الكرد في موقف أكثر عزلة وأكثر، بينما يترسخ موقف المالكي أكثر، ويتحرك براحة أكبر، ويتأقلم تدريجيا مع بغداد خالية من الكرد.
وفي حين يصر الأكراد على أنهم شركاء في العراق، فان انسحابهم من مجلس النواب يشير إلى عكس ذلك. حكومة المالكي شكلت على أساس توافق سياسي، إلا أن هذا التوافق لم يعد موجودا بعد الآن. لكن برلمان العراق ما زال موجودا بموجب دستور، وانتخابات مثلت ارادة العراقيين. وعلى خلاف الوزراء، فان النواب مسؤولون أمام الذين صوتوا لهم. ولذا فان عليهم القيام بواجباتهم، كممثلين عن الناخبين، وليس كممثلين عن كتلهم السياسية. يمكن، حاليا، تمرير العديد من القوانين التي كان الكرد يعارضونها في السابق، إذا ما تحقق النصاب داخل الجلسات.
علاوة على ذلك، فان قرار الانسحاب، هو مجرد خبر ستتداوله وسائل الإعلام لعدة أيام، لكن التواجد في بغداد، والخروج اليومي لجلسات البرلمان، على سبيل المثال، سيكون أكثر فاعلية من القرار السابق.
الانسحاب من الحكومة يضع المالكي تحت الضغط، ولكن الانسحاب من البرلمان بصورة كلية، يخفف الضغط عليه، فالكرد بدأوا يختفون من الأخبار، ويملأ خصومهم الفراغ الإعلامي والسياسي الذي تركوه.
من المفهوم ان الانسحاب من الحكومة هو قرار سياسي، ولكن الانسحاب من البرلمان لا يمكن تفسيره، حيث كان يمكن لأعضاء مجلس النواب الكرد أن يعملوا الآن في بغداد مع الكتل السياسية الأخرى، ووسائل الاعلام، وأن يشرحوا للرأي العام أسباب انسحابهم من الحكومة. حاليا يسود انطباع بأن الكرد متطرفون ويسعون إلى أخذ كل شيء، أو لا شيء، ولذا فانه يتحتم على الكرد تغيير هذا الانطباع.
قد تكون الأزمة الحالية بين الكرد وبغداد الأسوأ منذ تأسيس العراق الجديد، وما يعقد الوضع أكثر غياب الرئيس طالباني من بغداد.
حتى وقت كتابة هذا المقال. فان رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب، بالاضافة إلى مجلس الوزراء، كلها، خالية من الكرد.
يشتكي الكرد تاريخيا من ضعف تمثيلهم في عواصم البلدان التي يتواجدون فيها، ولكن في هذه المرة بالذات عليهم أن يلوموا أنفسهم لغيابهم الكامل عن بغداد.