تجاوزنا المحنة وانتصرت كردستان |
ونجحنا كما قلتها قبل سنين يا كردستان، ليس اليوم سيدتي الأرقى، بل حينما اختار شعبك في أولى ساعات تحرره من كابوس الاحتلال، وطالب زعيمه البارزاني جماهير شعب كردستان في اولى أيام الانتفاضة بمدينة كويسنجق في آذار 1991م الخيار الديمقراطي طريقا لممارسة حياته السياسية والاجتماعية، ووضع أسس مؤسساته الرسمية بعد أن انزاح كابوس الاحتلال البغيض.
حقا كان تحديا عظيما في ظرف معقد لكنه بحجم تلك التضحيات الجسام التي حررت البلاد وأنتجت أول برلمان ينتخب بشكل حقيقي من الأهالي عام 1992م، ليكون واجهة الأحداث بل الجبهة الحضارية الأقوى ضد قوى التخلف والشمولية، فناصبته العداء كل دول الجوار دونما استثناء، حتى منعوا عنه في أبشع حصار شهدته الشعوب، حفنة من دقيق أو كيلو من خضار، بل إنهم أنفقوا مليارات الدولارات لإشعال الفتنة في داخل الإقليم بين المتنافسين ونجحوا إلى حد ما فكانت تلك الحرب التي نالت من البلاد والعباد الكثير الكثير.
لكنها كردستان الحكمة والعقل والتاريخ الممتد عمقا والشعب المكتوي بنار الاحتلال، لعق جراحه واتكأ على الحكمة والعودة إلى البداية التي قرر فيها اختيار طريق التداول السلمي للسلطة، فعادت الحياة ثانية لمؤسسات الأهالي وممثليهم وكانت الانتخابات الثانية في 2005م لتضيف جدارا آخرا في بناء المستقبل الذي بدأ يزهر اليوم، حيث تحولت كردستاننا إلى خلية نحل في كل مناحي الحياة التي أصر الشعب الذي حرموه من ابسط مقوماتها أن يعوض كل سنوات القهر والظلم والحرمان، ويخرج إلى العالم خلال عدة سنوات بصورة أذهلت الأعداء وأثارت إعجاب الأصدقاء، فكانت كردستان التي تعيش في ظلام دامس لؤلؤة من ضياء ونور، فعل فيها الرجال والنساء من أبنائها وبناتها ما عجزت عن فعله حكومات العراق منذ تأسيسه في مطلع عشرينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
وتكللت نجاحات الأعمار والتنمية في أرقى صورها حينما ذهبت أفواج هذا الشعب شيبا وشبابا نساءً ورجالا إلى صناديق الاقتراع بنسبة تجاوزت نسب الناخبين في اعرق دول الديمقراطية، حيث بلغت ما يقرب من 75% من السكان الذين تشملهم الانتخابات والتي أشاد بها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوربي، إضافة إلى المشاركة الكبيرة للنساء والشبيبة بصورة أعطت الرأي العام حقيقة نتائج التمنية البشرية والوعي الاجتماعي والسياسي المتحضر لدى القطاعات الواسعة من أبناء الوطن، بما يجعلنا نفخر به جميعا ونعمل من أجل تطويره أكثر وأكثر. إن ما يحصل اليوم في كردستان هو مشروع حضاري ومدني كبير يثبت فيه الإنسان مقدرته على تجاوز الماضي بكل مآسيه وكوارثه، والانتقال إلى عالم مشرق زاهر بإصرار الشبيبة على إكمال مشوار الإباء والأمهات في تأسيس وطنهم بعيدا عن العنف والصراعات الدموية بانتهاجهم ثقافة قبول الآخر ولغة الحوار، تحت خيمة المصالح العليا لكردستان بعيدا عن فرض الإرادات والأجندات الإقليمية، بما يخدم نضال شعب كردستان ودفاعه المستميت أمام عدو متوحش، توحدت فيه كل أشكال الشوفينية العنصرية والتطرف الديني والمذهبي المقيت، واستطاع بتوحده وقيادته تحطيم أسطورة الرعب لمنظمة داعش الإرهابية، بما جعل قواته المسلحة من البيشمركة مصطلحا عالميا يرمز للبطولة والمقاومة وقتال الفرسان.
إن قيادة الرئيس مسعود بارزاني الحرب الدفاعية مباشرة وفي خطوطها الأمامية منذ سنة من اليوم أعطى دروسا بليغة لإصرار هذا الشعب على الانتصار وعلى مشاركة الجميع من اجل الانتصار وتحقيق الحلم الكردستاني بعد أن نجح في تكريس الديمقراطية ولغة الحوار الحضارية التي اختارها منذ الأيام الأولى لاستقلاله الذاتي في انتفاضة ربيع 1991م. لقد تجاوزت كردستان محنتها ونجحت بامتياز في امتحانها العسير وانتصرت إرادة الشعب التي لا يلوى ذراعها أبدا . |