مرتْ قبل أيام الذكرى السنوية لرحيل الرئيس العراقي عبدالرحمن عارف "أبو قيس" رحمه الله وقد حكم الرجل العراق لفترة قصيرة امتدت من عام 1966 إلى عام 1968 وفي أعقاب سقوط طائرة شقيقه الرئيس عبدالسلام عارف في نيسان 1966 الذي ما زال ملف موته غامضا. في الواقع هناك مغالطة تروج بين الكتاب والصحفيين وحتى بين السياسيين، أن الرئيس عبدالرحمن كان حاكما ضعيفا ولهذا لم يستطع الإمساك بدفة الأمور في عراق مضطرب وهائج لأكثر من سنتين، وتم خلعه بانقلاب "أبيض" من داخل القصر، وبتآمر من ضباط كبار في الحرس الجمهوري، الذين ائتمنهم على نظام الحكم وبالتالي تبين أنهم "حاميها حراميها"! لم يكن مطلوبا من "حراس القصر" التآمر على الرجل الذي رقاهم إلى رتب ومناصب رفيعة في الجيش، ويقال أن معلومات وصلت للرئيس عارف عن نياتهم التآمرية فاستدعاهم فحلفوا أمامه بالمصحف أنهم بريئون مما اتهموا به والواقع أنهم كانوا يكذبون! كان عبدالرحمن من الضباط الأحرار الذين خططوا لثورة 14 تموز 1958، ولكنه بحكم شخصيته الهادئة التي جبل عليها لم يكن صاخبا كشقيقه الراحل عبدالسلام، كما أن تربيتهم العائلية بتأثير والدهم الحاج محمد عارف كان عبدالرحمن هادئا ومتماسكا وعسكريا محترفا لا يحب الجلبة والضجيج برغم انه كان آمر كتيبة مدرعات فيصل صبيحة ثورة 14 تموز. روى لي المقدم الركن حافظ علوان، مرافق عبدالكريم قاسم، أن عبدالرحمن عارف كان يزور مكتب المرافقين بعد اعتقال شقيقه عبدالسلام ومحاكمته وسجنه في محاولة لإضفاء عطف الزعيم على صديقه عبدالسلام، وكان عبدالرحمن يعرف عمق العلاقة الشخصية بين قاسم وعارف، ويقول حافظ: كنا نستقبل عبدالرحمن ويجلس إلى وصفي طاهر صديقه القديم في حلقة الضباط الأحرار قبل الثورة ويحتسي الشاي، وفي مرات كثيرة كان يدخل علينا الزعيم قاسم ويراه ويسلم عليه، وكان عبدالرحمن يستثمر وجود قاسم لطرح قضية شقيقه وتذكير الزعيم بأخوته القديمة، وقال علوان، ازدادت زيارات عبدالرحمن لنا مما جعل الزعيم يسألنا عن سبب زيارات عبدالرحمن الكثيرة فأجبناه من اجل ترقيق قلبك وإطلاق سراحه! يقول حافظ، لعب عبدالرحمن عارف دورا مؤثرا على الزعيم وربما هو الذي كان وراء التأثير العاطفي والإنساني على الزعيم الذي ركب سيارته ومعه قاسم الجنابي واتجه إلى معسكر الرشيد حيث وضع عبدالسلام في سجن رقم (1) وتعانق معه واركبه في سيارته وأخذه معه في جولة ليلية وأعاده إلى منزله بالاعظمية بعد الساعة الثانية بعد منتصف الليل وفاجأ عائلة عبدالسلام بمجيء رب العائلة! موقف إنساني ونبيل من الزعيم الذي لم يكن يحتاجه ولم يكن يخشى عارف لان الأخير فقد قوته وصار اثرا بعد عين غير أن قوة الذكريات والصداقة والأخوة القديمة بينهما هي التي حفزت الزعيم للصفح عن عبدالسلام عارف! كان عبدالرحمن طيبا ورب عائلة نموذجيا ونجح في قيادة العراق إلى بر الأمان لكن اللعبة الاستعمارية والدولية ما كان يروقها وجود رئيس متزن ومعتدل ومحايد مثله فقررت العودة إلى صفحة العسكر واستبدال طاقم الحكم الذي كان يتجه إلى الديمقراطية والشراكة السياسية بطاقم من الضباط الانقلابيين! رحم الله عبدالرحمن عارف واسكنه فسيح جناته.
|