دجلة الخير أصبحت مصدر حزن واهات على كثير من العوائل العراقية التي فقدت أبنائها غرقا في هذا النهر الخالد. كان الأطفال والشباب يقضون أوقات الصيف اللاهف في السباحة ولكن بين اليوم والأخر تفجع عائلة وربما أكثر من عائلة بغرق أبنائها في يوم واحد . ذكريات اليمة خلف هذا النهر على بعض العوائل التي يمر هذا النهر بمدنها ومنها مدينة الاعظمية والكاظمية والكريعات والصليخ والكرخ والمسبح. كانت حصة تحت جسر الائمة من صوب الكاظمية الأكبر في عدد الغرقى في زمن الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. أسباب الغرق كثيرة منها هو الهروب من حر الصيف , غياب المسابح , وغياب الفعاليات الترفيهية والتعليمية للأطفال والشباب في ذلك الزمن وخاصة في العطل الصيفية . كان ابناء المحلة بأعمار 12 ودون 25 عاما يذهبون جماعات الى النهر لغرض السباحة. منهم المتعلم على السباحة ومنهم غير المتعلم ولكن الجميع يدخلون النهر دون رقيب او حسيب. النهر غدار , ابتلاعه لبشر لا يتجاوز الدقيقتين واذا يتحول شاطئ النهر الى مكان لطم وبكاء وعويل الامهات والاباء المنكوبين بأولادهم . لم تكن هناك دائرة حكومية تختص بانتشال الغرقى وانما تترك الامر لأهاليهم وهكذا تصبح المصيبة مصيبتين على ذوي الغريق , فقدان ابنهم والبحث عن جثته في الماء . انتشال الجثة من النهر يتم بمساعدة أبناء المنطقة الماهرين في فن الغوص وهنا يجب ان اخلد اسم مواطن من مدينتي الكاظمية وهو محمد بن حسن داود الدباغ من سكنة فضوة الشيخ ال ياسين الذي أنقذ حياة الكثير من الشباب من الغرق. بعض الغرقى يقضون أكثر من أربعة أيام تحت الماء واخرين ربما لا أحد يستطيع انتشالهم إذا تعلقت جثمانهم بجذور الأشجار المتساقطة في النهر. هذه واحدة من المعاناة التي كان يعاني منها الإباء والامهات وقت الصيف , القلق على أولادهم من الغرق . أتذكر أحد الإباء المنكوبين بغرق ابنه جالسا يبكي ولده ويقول " خفت الذي كان ان لا يكون فانا لله اليه وانا اليه راجعون". انها قصص تمزق القلوب وانت تشاهد والدة تفقد ابنها بدون مرض في ظرف ساعة واحدة , ما بين وقت الغرق ووصول الخبر الى الاهل .
سبب كتابة هذه السطور هو كثرة الاخبار عن غرقى الشباب في نهري دجلة والفرات وتفرعاتهما هذه الايام. كانت اخر الاخبار التي اوجعت قلبي و سرقت النوم مني هو انتشال ثلاث جثث لغرقى في نهر الفرات و خبرا قبله يتحدث عن غرق توئم في محافظة ذي قار . الله يكون في عون الام والوالد , غرق صبي واحد هو كارثة على اهله فكيف باثنين في ان واحد ؟ كثرة حوادث الغرق تجعلني الوصول الى استنتاج مفاده ان وزارة الداخلية او وزارة حماية البيئة او الشرطة النهرية ما زالوا غير مكترثين بحياة أطفالنا وشبابنا. وطالما وان العراق الان في موسم التظاهرات فكان من المفروض بزعماء التظاهرات المطالبة بأنشاء مسابح لكل مدينة يزيد عدد سكانها العشرين ألف بدلا من مطالبة اسقاط الدستور وإعلان حالة الطوارئ او المطالبة بأسقاط الحكومة والمجيء بحكومة علمانية وكأن اسقاط الحكومة سهله مثل سهولة قيادة سيارة أوتوماتيك لا تحتاج الا لسائق او تبديل محركها باخر.
هذا الصيف قد بدا بالتلاشي وبدا الجو يبرد و بدا موسم الرطب ولكن هناك صيف اخر في السنة القادمة والقادمة الى ما شاء الله , وليس من حق الشرطة النهرية او الحكومة ان يبقوا واقفون على التل يسمعون انين الثكالى بأولادهم الغرقى ولا يتحركون ؟ لا حق لهم , وهم يستطيعون حماية المواطن العراقي من الغرق بسعر لا يشكل اكثر من نفقات حماية السيد اياد علاوي او السيد صالح المطلق او حماية السادة رؤساء الكتل والأحزاب السياسية . لست خبيرا بشؤون إدارة المشاريع الترفيهية او المتنزهات او المدن السياحية ولكن أستطيع الكتابة عن ما اشاهده من إجراءات لحماية المستحمين على شواطئ الأنهر والبحيرات والبحار في الولايات المتحدة الامريكية , ومن هذه الملاحظات : 1. تحديد مناطق السبح. أي لا يسمح للمواطن السبح خارجها وبعكسه يتحمل المواطن غرامة مالية موقعيا او إحالة أوراقه الى محكمة المدينة. 2. تحديد مناطق السبح بسياج لا يجوز للسابحين تجاوزه. 3. تعيين مراقبين اكفاء ومجهزين بجميع وسائل الإنقاذ على شواطئ السباحة ويأمرون المستحمين الغير منضبطين بأخلاء المكان حالا. 4. على مستخدمي زوارق السرعة او الصيد او الاستجمام لبس بدلات الإنقاذ بغض النظر عن قابليتهم في السباحة وعدم لبس بدلة الإنقاذ يعرضهم لغرامات مالية ضخمة. 5. عدم السماح لأصحاب القوارب التقرب لاماكن السباحة. 6. لا يجوز تأجير زورق بدون لبس جاكيت الإنقاذ حتى وان كان المستأجر سباحا عالميا. هل ان انجاز هذه الشروط صعبة على الحكومة العراقية؟ لا اعتقد وللأسباب التالية: 1. زيادة عدد المسابح في المدن العراقية وهذا اقل ما يمكن ان تقدمه الحكومة المركزية للمواطن او الحكومات المحلية لأبنائها. ان بناء متحف او سينما او مسرح او متنزه او مسبح حالة حضارية تتباهى بها الأمم وتظهر درجة تقدمها الحضاري. هذه مؤسسات موجودة في العراق ولكن يحتاج المزيد منها. 2. تعميم كتب رسمية الى جميع المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية ترشد إدارة هذه المدارس بتثقيف طلابها عن مخاطر السباحة في النهر بدون معرفة السباحة او بدون رقيب. 3. تحديد مناطق خاصة وامينة ومسيطر عليها للسباحة. 4. لدى العراق قوات امنية تعدادها المليون , البعض منهم لا يصلح للمعركة بسبب عجز في أجزاء من جسمه ووظيفة مراقبة شواطئ الأنهر ومنع المخالفين لتعاليم السباحة ستكون نافعة له ولعموم الشعب العراقي . وبالمناسبة فان الكثير من الجامعات والمعاهد العلمية تستخدم أصحاب العاهات كمنظفين وحرس وبذلك يستفاد أصحاب الحاجات الخاصة من وقتهم ودخلهم وتحصل هذه المعاهد على سمعة طيبة بين أبناء المجتمع. 5. مراقبة شواطئ الأنهر لا يحتاج الى دبابة او طائرة استطلاع وانما تحتاج الى زورق نهري لا يتجاوز سعره 3,000 دولار. ستة من هذه الزواق كافية لتغطية حاجة بغداد. سائق الزورق هو المسؤول أيضا عن مراقبة ومحاسبة المخالفين. لا نريد نظام مثل سيارات الإسعاف والتي كان يشغلها أربعة: سائق , وشخص بجانبه يدعوا من خلال مكبر الصوت السيارات التفرق عن سيارة الإسعاف وشرطي , ومضمد . في الولايات المتحدة ,الإسعاف تحتاج الى اثنين :سائق السيارة ومضمد لتقديم الخدمات الكاملة لأي حالة مرضية. التغيير يبدا بخطوة واحدة وبعدها بخطوات كثيرة. ومن يريد التغير فليبدا بهذه الخطوة لان بدون هذه الخطوة لا يبدا التغيير. نظام مراقبة شواطئ الأنهار في الصيف خوفا على أولادنا من الغرق محاولة تستحق التأكيد عليها , لان لا احد يفهم معاناة واهات و احزان من فقد ولده غرقا الا ابيه وامه ولو سألتهم بماذا يفدوه عن الغرق لقالوا عيوننا وقلوبنا وبكل ما نملك . الحكومات المحلية لا تستطيع تعويض ذوي الغرقى ولكن تستطيع تفادي هذه المأساة على العوائل الأخرى من خلال تأسيس شرطة نهرية وظيفتها مراقبة شواطئ الأنهر من المخالفين لقواعد السباحة.
|