يستغرب المتابع بمهنية لما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي مما يجري على جبهاتها من معارك شعواء وبلا هوادة بين اطراف عراقية سياسية شيعية يشارك اغلبها، ان لم اقل جميعها، في العملية السياسية، ويعملون تحت مظلة نفس الحكومات التي تشكلت بعد عام 2003، بل انهم يجتمعون ويجلسون سوية تحت مظلة ائتلافات وتحالفات لا يجهلها اي متابع للشأن السياسي العراقي بصورة عامة والشيعي بصورة خاصة. ففي حين تشير كافة التقارير الصحفية الغربية الى تعاظم قوة اعلام تنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحذر من قدرته الفائقة على نشر افكاره وبث تسجيلاته وتوزيع بياناته والمراوغة والتملص من حساب لأخر وتجنيد مقاتليين جدد من كافة اصقاع الارض للقتال في صفوفه في العراق وغيره، نجد في هذا الوقت الحرج ان العشرات من الشيعة ممن لديهم امكانيات لابأس بها في ادارة الصفحات والمشاركة في هذه الحرب الرقمية ضد داعش، يخطأون في توجيه بوصلة جهدهم، ويحيدون عن طريق الصواب، حيث يوجهون سهام نشاطهم ومعرفتهم ومهاراتهم في هذا المجال الالكتروني نحو الاحزاب والشخصيات الشيعية المنافسة لمن يدعمهم ماليا بدلا من تركيز الجهد على داعش وفكرها الذي يستهدف وجود الشيعة في العراق والعالم اجمع. جولة لمدة دقائق قليلة بين هذه الصفحات سوف تُصدم بكم البذاءات وحجم الابتذال التي يطفو بعفونة على بركات هذه الصفحات ، كتابات استفزازية واضحة، عبارات مسيئة، كلمات خادشة للحياء، محاولات مكشوفة للتسقيط، شتائم سوقية، تهكم واستهزاء بذيء، تشويه للسمعة، صور فوتوشوب مزيفة، فيديوات مركبة، اساءات رخيصة، عبارت محتقنة بالحقد، سيل متدفق من التضليل، تحريض على الكراهية، قاموس شامل من الخدع والاكاذيب والافتراءات ...الى غير ذلك مما يمكن ان تراه او تكشفه عند متابعة هذه الصفحات. ولم يقتصر عمل ووظيفة من يقف وراء هذه الصفحات على هذه الاساليب غير الاخلاقية، بل اتخذت اساليب ومظاهر اخرى اكثر تطورا، اذ قاموا بعمل صفحات جديدة لنفس الاسماء السياسية التي تكن لها الكراهية، ثم تقوم بنشر اخبار غير حقيقية من اجل التشويش على الصفحات الاصلية ما تؤدي الى تشويه سمعة صاحبها عبر مايكتب من منشورات او صور مثيرة تجلب النقد والشتائم المجانية عليه من كل حدب وصوب. هذه الحرب الصاخبة في موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، وعلى نحو اقل حدة منه تويتر، ازدادت في الآونة الاخيرة لدرجة كبيرة غير عابئة بتغيير مراكز القوى السياسية، ولا مكترثة بتبدل المناصب بين الاحزاب والكتل المتصارعة على الحكم في العراق مما يؤشر الى نتائج جلية تتعلق بطبيعة الصراع بين هذه الكتل الذي لايعود، كما يبدو، الى اسباب سياسية فحسب، بل يرتبط باحقاد وكراهية وخلافات قديمة وجدت لها فجوة ومنفذا هذه الايام في صفحات التواصل. الانكى من هذا ،ان كثير من المحللين والمراقبين قد توقع ان هذه المعارك الافتراضية هي احدى مقتضيات الصراع الانتخابي واحد اوجه التنافس السياسي آنذاك، وانها، وفقا لهذا الطرح، سوف تتلاشى وتنتهي بعد اجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة، الا ان هذا الظن لم يكن في محله والتوقع لم يكن صحيحا، فلم تضحمل هذا الحرب أو تخف بل استعر اوراها واشتعلت، وظل هؤلاء مصرين على الانجرار وراء الغواية السياسية والاخلاقية على حد سواء. اللافت في الامر ان العمل في هذه الصفحات ليس تطوعيا او مجانا، ولا من يقف ورائه يعمل" لوجه الله"، بل ان هنالك اموالا طائلة تصرف على هذه الصفحات والمواقع سواء من خلال مايُمنح لمن يدير هذه الصفحات من رواتب، حيث تحتاج الى تفرغ ومتابعة ومراقبة ورصد لايمكن ان يقوم بها اي شخص دون مقابل، او من خلال الاعلانات التي توضع لزيادة الاعجابات بهذه الصفحات وايصالها الى الكثير من المتابعين. وما يمكن ان يشكل مدعاة لدهشة المراقب بحيادية لهذا الموضوع بالذات، ان الممولين او من يدعمون ماليا هذه الصفحات الالكترونية لايكلون ولايملون عن الاستمرار في هذا الغيّ والحرب الضالة، على الرغم من الاموال الكبيرة التي قامت، ولا زالت، تلك الجهات بضخها من اجل هذه الصفحات، مع ان هذه الاموال لو كانت موجّهة لاماكن اخرى لكان خيرا واقوم سبيلا ! ، فالحشد الان بحاجة لكل دينار يُصرف على هذه الصفحات، كما ان الكثير من عوائل الشهداء وايتامهم واراملهم هم بحاجة ماسة للمال ولكل مساعدة يمكن ان تقدم لهم. الاصرار على انشاء مثل هذه الصفحات " التسقيطية" وصرف اموال كثيرة عليها يعني أن مصدر هذه الاموال التي تصرف في هذا المجال جاءت بسهولة ومن طرق غير مشروعة، وبالعراقي " غير متعوب بيها"، لانها تذهب من اجل حروب عبثية غير اخلاقية بين اخوان في العقيدة والمذهب والدين والوطن الواحد. ولذا من حق الكثير التساؤل حول اسباب غياب قيادة شيعية مؤثرة ومسؤولة قادرة على وضع حد لهذا الهيستيريا التي تتقيأ جنونا وتبث احقادا وتنفح كراهية بين ابناء المذهب الواحد على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تزداد يوما بعد يوم، ولم تعد مرتبطة بمرحلة انتخابية ما يمكن ان نجد لها مسوّغا لوجودها وعملها. هل تغفل القيادات الشيعية ان بعضا من هذه الصفحات تموّل من خلال بعض الاشخاص الذين يُحسبون عليها ؟ هل يمكن ان ترضى، وهي ترفع الاسلام شعارا والتشيع مذهبا، بحجم البذاءات والكذب والتضليل الموجود في هذه الصفحات؟ ومن هو الاولى ...بكل مقاييس الاديان والاخلاق والانسانية ....ان تصرف هذه الاموال على هذه الصفحات المحرضة ام منحها لعوائل شهداء الحشد والارامل والايتام والمحتاجين ؟ الا تدرك ان الامر في هذه الصفحات فد تجاوز النقد وتصويب الاخطاء الى التسقيط والفجور الاخلاقي المخجل ؟ لمصلحة من مايحدث ؟ هل غريزة الانتقام السياسي لدى هؤلاء تجاوزت قيمهم الاخلاقية ومثلهم وشعاراتهم ؟ وفيما يبدي الكثير من الناشطين العراقيين من الشيعة اهتماما كبيرا بملف المقاومة الرقمية ومواجهة داعش في هذا المجال التي تستهدف هجماتهم الارهابية بشكل مباشر الشيعة في الاسواق والشوارع والساحات العامة، تجد هؤلاء يعيشون في عالم آخر ومنخرطين في صراع من نوع ثاني مع بعضهم البعض بفعل المال الذي يغدق عليهم من الجهات السياسية او التجارية التي ترتبط بتلك الاحزاب المتصارعة فيما بينها على السلطة واحتكارها. دعوة مخلصة لان يجلس قادة الشيعة من السياسيين مع بعضهم البعض ويتعاهدون على ايقاف دعم بعض هذه الصفحات وقطع التمويل عنها، المباشر وغير المباشر، وليعترفوا بان التسقيط " الافتراضي" قد كان من افرازات الصراع الانتخابي وقد انتهى، بل من الضروري للجميع عدم البقاء والدوران في فلك مثل هكذا مناخات موبوئة تخلقها هذه الصفحات التحريضية لان خطرها ليس بالهين، وبقائها يمكن ان تستفيد منه العديد من الجهات المعادية للشيعة، وأكاد أجزم بان بعض الصفحات تعود لجهات مشبوهة لاتنتمي لاي تكتل او تيار شيعي وتقوم بالتالي بالتحريض بين الشيعة وشق عصا وحدتهم التي تعاني اصلا من تصدعات، في الوقت الذي يتهم كل تيار او فصيل شيعي بان تلك الجهة تقف وراء دعم وتمويل هذه الصفحة. ان الشيعة، والعراقيين جميعهم، يعيشون الان مرحلة مفصلية من حياتهم ويتعرضون لخطر وجودي كبير يحمل رايته تنظيم داعش والجماعات الارهابية التي تستهدف وجودهم وتجربتهم السياسية، ولذا على هؤلاء الشباب ممن يجيد ادارة هذه الصفحات ان يسلطوا جل تركيزهم على محاربة داعش والوقوف بوجه نفوذه الرقمي بدلا من الهجوم وتسليط فوهة اسلحتهم " الالكترونية " على الاخ الشيعي.
|