بعد مخاضِ طويل وصراعات بين التجاذب السياسي وإضفاء مصالح الكتل الكبرى، اقر مجلس النواب العراقي بجلسته 16، قانون الأحزاب السياسية في العراق، بتصويت واتفاق الجميع، على طرحه كقانون ينظم الحياة السياسية. جاء القانون بمعدل 61 مادة قانونية، يتخللها الأحكام الختامية، جاء القانون بعد 13 عاما من دراسات وتعديلات وفق المصالح والمزاجيات وتشبث بعض الكتل بنقاط غير ملائمة مع وضعها" التحزبي"، لذا كان سريعا كالعادة غيره مثل الدستور وقانون الانتخابات والنفط والغاز المعطل.
حسب الدساتير العالمية، فإن مهمة الأحزاب السياسية هي المساهمة في بناء الوعي السياسي للشعب. وهكذا فإن تسمية مرشحين للمناصب السياسية وتنظيم حملات انتخابية ترقيان إلى مرتبة الواجبات الدستورية. ولهذا السبب تحصل الأحزاب على تعويض مادي من الدولة مقابل النفقات التي تتحملها في إطار هذه الحملات الانتخابية. هذا التعويض المادي لأعباء الحملات الانتخابية الذي ابتدعته ألمانيا تحديدا، أصبح مبدءا متبعا في معظم ديمقراطيات العالم. وأيضا تشكيل الأحزاب السياسية يخضع للأسس الديمقراطية (ديمقراطية الأعضاء). وينتظر من هذه الأحزاب اعترافها بالدولة الديمقراطية.
لم يكن قانون الأحزاب متفق مع الوضع الديمقراطي في العراقي، كما يراه المراقبون. وهذا لا يعني انه ليس صحيحا. وإنما يحتاج إلى بعض التريث وإعادة النظر في نصوصه، نأتي هنا لنجعل بعض التقويم والنقد البناء؛ وليس المهاجمة. وحتى نتمكن من الوصول إلى رؤية محددة وهادفة، نضع بعض النصوص التي عاب عليها البعض واعتبرها غير منسجمة مع الواقع.
قبل الخوض في الحديث نطرح سؤالا هامة جداً، هل نستطيع إمكانية تطبيق قانون الأحزاب في العراق، على الكتل المنضوية تحت الحكومة؟ حتى لا نتسرع في الإجابة نذهب معاً إلى الإشكاليات والمقارنة، والبحث عن البدائل المهمة التي نستطيع من خلالها تقويم القانون، ليصبح ذو مقبولة عالية ومنصف للجميع وخصوصا الأقليات.
أولاً: هيكلية القانون. يعد تشريع قانون الأحزاب، من أهم النصوص تفسيرا لدى الخبراء. فهو لا يعطي أحكام التأسيس والعقوبات فحسب. بل يشرع الى عملية ديمقراطية ورؤية الدولة والدستور معا في نضج العملية السياسية وبناء مجتمع تشاركي. يعمل بمبدأ التنشئة ومفهوم العمل الجماعي، اختصارا هو مدرسة سياسية للأجيال. أما ما نراه اليوم فهو شبيه جدا بقانون المنظمات الغير حكومية، وكأن الحزب منظمة مدنية، شاءت ان تكون حزباً. وهذا خلط شنيع. فقد حدد القانون طرق التأسيس والعضوية، وكأن الحزب منظمة خدمية يقوم التشريع بتقنينها!
ثانياً: البرنامج السياسي. لقد اغفل القانون موضوعة البرنامج السياسي، الذي يطرحه الحزب. مكتفيا بعدم معارضته للدستور. ولم يشجع على العلانية في الأهداف والتنظيمات، ومفاتحة الشارع والمجتمع على الاشتراك في برنامجه السياسي والحكومة فيما بعد. وقد تركه للحزب وحده من يقررها خفية بين المؤسسين، وخلافا لذلك عمل القانون المصري رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية. حيث جعل مبدأ العلانية والاشتراك في الأهداف متاحاً للجميع.
ثالثاً: فلسفة المعارضة. حتى نتمكن من بناء دولة ديمقراطية، وحكومة مراقبة، وتقويم. لابد من تفعيل دور المعارضة السياسية واستقبال الرأي الآخر، والمشاركة الجمعية في القرار، وحرية الفرد في التدخل المباشر لعمل الحكومة؛ دفاعا عن حقوقه وحرياته. لكن ما جاء في المادة - 33-من مصادر تمويل الحزب او التنظيم السياسي الفقرة (4) الإعانات المالية من الموازنة العامة للدولة، بموجب المعايير الواردة في هذا القانون. وهذا يعني استلام الأحزاب أموالاً إضافية من قبل الدولة. فإذا كانت الأحزاب جميعها مشتركة في الحكومة فأين المعارضة؟ ناهيك عن الضغط الحاصل على الموازنة جاء ألان تكسب الأحزاب من المعونات الحكومية.
رابعاً: هيكلية الحزب. المادة -9- يشترط في من يؤسس حزب او التنظيم السياسي الفقرة (2) أكمل الخامسة والعشرين من العمر، ومتمتعاً بالأهلية القانونية. والمادة -11- يشترط لتأسيس أي حزب أو تنظيم سياسي مراعاة ما يأتي:أولاً- يقدم طلب التأسيس تحريرياً بتوقيع ممثل الحزب او التنظيم السياسي(لأغراض التسجيل) الى دائرة الأحزاب او تنظيمات سياسية، مرفقاً به قائمة بأسماء الهيئة المؤسسة التي لا يقل عدد أعضائها عن (7) سبعة أعضاء مؤسسين ومرفقاً به قائمة بأسماء عدد لا يقل عن (2000) ألفي عضو من مختلف المحافظات، على أن يتم مراعاة التمثيل النسوي. للنظر في المادة (9) و شريطة العمر غير معقولة مطلقاً. النصوص سمحت لمن لا يقل عمره عن 20 عاماً أن يترأس حزباً سياسيا!!، وذلك لا يتفق مع المنطق”.بينما هناك 306 أحزاب مسجلة حالياً في مفوضية الانتخابات”، كنا نأمل بموجب التشريع الجديد تقليلها إلى عدة أحزاب قليلة، بينما القانون يفتح الأبواب لزيادتها بنحو مطرد.أما (2000) شخص من الأعضاء، هل سيبقى العدد ثابتا مع اختلاف وتزايد الحالة السكانية؟ كما هو مختلف في عدد أعضاء مجلس النواب حسب التركيبة العددية للسكان، وزيادة عدد البرلمانيين مع زيادة السكان؟ علما ان القانون الأردني للأحزاب طلب 500 شخص فقط.
خامساً: سيكولوجيا الحزب. المادة (5) أولاً: يؤسس الحزب او التنظيم السياسي على أساس المواطنة وبما لا يتعارض مع أحكام الدستور.ثانياً: لا يجوز تأسيس الحزب او التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي. ما من الممكن المبادرة الى إنشاء حزب، دون توحيد أعضائها في مدرسة فكرية، تربطهم في الاقتناع والشروع في العمل السياسي. لذا نرى منذ نشوء الأحزاب هنالك أحزاب ذات توجهات أسلامية قومية شيوعية وطنية ليبرالية...الخ وهذا ما أدى في العالم الثالث إلى عدم وجود أحزاب وطنية يشترك في الأفراد تبعا للمواطنة دون الانتماء الفكري. وهنا من المفترض للأحزاب السياسية الموجودة في العراق أعادة النظر في طرحها وحتى الاسم ايضاً.
سادساً: مرجعية الأحزاب: المادة (2) ثانياً: محكمة الموضوع: (الهيئة القضائية للانتخابات) المشكلة بموجب قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 المعدل. ثالثاً: دائرة الأحزاب: دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وترتبط بمجلس المفوضين. لحد الآن ونحن مجتمعين سوية على هذا المقال، لم نعرف سبب ارتباط الأحزاب بالمفوضية؟! رغم أن الأخيرة دائرة شبه اضطرارية الوجود، في وقت الانتخابات فقط. والمثير للاستغراب ان القانون لم يشر إلى دائرة مستقلة تراقب عمل الأحزاب، بل ربطها بالهيئة المستقلة للانتخابات. بينما يرى القانون المصري ارتباط الأحزاب بــ"لجنة شؤون الأحزاب" المؤلفة من رئيس مجلس الشورى ووزيرا العدل والداخلية. اما القانون الأردني والفرنسي والجزائري يرجع ارتباط الأحزاب الى المحكمة الإدارية العليا في حالة التقاضي الشخصي والعام.
سابعاً: التمويل وحرية جني الأموال: المادة (33) تشتمل مصادر تمويل الحزب او التنظيم السياسي الفقرة (ثالثاً): عوائد استثمار أمواله وفقا لهذا القانون والتبرعات. بينما المادة (34) منعت الحزب من التجارة بقصد الربح. وهنا نسأل ما طبيعة عوائد الاستثمار؟ ومن أين جاء الاستثمار؟ هل يحق للحزب المضاربة والمداولة في الأسواق الاستثمارية والعقود والمقاولات؟ ودخول المناقصات الحكومية، وخصصوا ان القانون لم يذكرها. اما (المتبرعون) فقد حدد القانون نشر أسمائهم وعناوينهم فقط، لكن لم يتطرق إلى شفافية المتبرع المالية. من هو؟ ومن أين أتى بأمواله؟ لم يتحقق القانون من شخصية المتبرع، قد يكون كسب أمواله بطرق غير مشروعة أو لا. كما لم يلزم القانون بتقديم الحزب ذمته المالية قط. ولا لأعضائه المؤسسون. بل اكتفى بحساباته المالية. خلاصة القول حتى نتمكن من بناء دولة رصينة ونزيهة، لابد من متابعة كل شاردة وواردة من أعمالها، مع احترام سيادتها طبعاً " عراق الأحزاب" كما يسمى لا بد من تقنين عمله السياسي بصورة منضبطة، للحد من مأساوية الحال.
|