بين ميمات ثلاثة

 

يدور المواطن العراقي هذه الايام بين “ميمات” ثلاثة، فهو اما “مقاتل” او “متظاهر” او “مهاجر “. وطبيعة الامر ان ميمات العراقيين هذه لا تجد مفرا الا ان تعانق ميما رابعة، قد يغلفها “موت” وحسرة .. فالموت لعبة العراقيين القديمة وزبونهم الدائم عرفوه منذ معركة الطف وصرعات الخلافة واحتلالات المغول والعثمانيين والبريطانيين والامريكان ودسائس الاخوة والاصدقاء والخلان، فهو عندهم يشبه الى حد كبير حياة ابدية تجلت في صور نشرت بإتقان على معظم جدران الحواجز الكونكريتية، وبين الشجيرات وفي الساحات والتقاطعات والميادين، وعند نقاط التفتيش، وفي اسماء الشوارع والمدارس والازقة والمقابر، كلها لاناس ضحوا بانفسهم وفكوا رقابنا من حفلات الذبح الداعشية . اما ميم المتظاهر المعترض فهي صرخات رفض وموت اسطوري، تبشر بمستقبل واعد وامل متخم ، ليس بالضرورة ان نجني ثماره نحن، اذ ربما نكتفي بمضغ شعاراتنا وبصقها في وجوه بعضنا بعضا ، تاركين الجمل بما حمل لاصحاب الحظوظ المخملية، ومكتفين بسرد الروايات والبطولات وعرض صور السليفيات على شاشات ذكرياتنا البائسة، ان كلامي ليس طعنا بالإرادة الشعبية وتشكيكا بقدرات الجماهير واصرارها على اصلاح ما يمكن اصلاحه وقذف الفاسدين في حاويات القمامة، لكنة العرف – سيداتي وسادتي- عند الشعوب الشرق اوسطية، والحذاقة والمهارة والسطوة والزيجات السرية التي تتسم بها معظم كتلنا واحزابنا السياسية. اما “ميم” المهاجر، فالجميع يمني نفسه في الوصول الى بلدان الحضارة والعدالة والامن المستدام، والحصول على جنسية تخترق حدود بلدان العربان والمسلمين المنيعة ،حتى وان كان الطريق يلفه موت خانق محقق او بحر ازرق يبتلع دون رحمة عوائل بأكملها ويفرغ البلاد من شبابها وطاقاتها ليخط حروف خزي ابدي يلاحقنا الى يوم النشور.