المُثقف العَجَلة!! |
لا أقصد بها كلمة "عَجَلْ" السامرائية التي نبارز بها كلمة "لَعَدْ" البغدادية , و"عجل" أقرب إلى "أجل" , وتأتي بمعنى السرعة , و"لعد" ربما لا أصل لها ولا نسب. ولا أقصد بها العُجالة أو الإستعجال, وإنما العَجلة التي إخترعها الإنسان في بلاد ما بين النهرين قبل آلاف السنين أو القرون. والعَجَلة تعني السرعة. واسعجلته أي حثثتهُ. ونقول "عَجِّلْ" أي إسرعْ , وفي وقت السحور وقبل الفجر , كان المؤذن ينادي " إشْرَبَ الماءَ وعجّلْ". وما يُراد قوله , أن يتحول المثقف إلى عَجلةٍ , كعجلة السيارة أو القطار أو الدراجة الهوائية , وغيرها من العربات والمركبات. وعندما يتحول المثقف إلى عجلة , فأنه سيساهم في حركة المركبة أو العربة بأحمالها , فينقلها من مكان إلى آخر. وما يُنشر في العديد من الصحف الإليكترونية , عبارة عن تعبيرات لهذه العجلات التي تتحرك بواسطتها قوافل المآسي والويلات البشرية , في أماكن عديدة من العالم الذي أبتلي الإنسان فيه , بسطوة الشرور على نفسه وروحه وبصيرته , فاجتهد في تحويل كل إختراع إلى وسيلة لتدمير وجوده الوطني والعقائدي والثقافي والمادي والروحي. ولا تشذ عن هذا المنحى ماكنة الثورة المعلوماتية بمواقعها وصحفها وإمبراطورياتها المتعاظمة المهيمنة على سلوك البشر. ولهذا ترانا أمام دفق شديد من الكتابات المتراكمة المتكررة الساعية للوصول إلى أهداف ذات غايات كامنة وتداعيات متفاقمة. وأصبحت الأقلام ذات دور سلبي في متوالية الدوران الرامية إلى المراوحة , أو الأخذ إلى حفرة الإنقراض الحضاري السعيد. حيث يتحول الناس إلى طوابير سكارى , مخمورين بأفكار مبرمجة لإستعبادهم وامتلاكهم , بكامل وعيهم وإرادتهم وقوتهم في الدفاع عن عبوديتهم وإستلطافهم الأسر في عربات العنوان. إن تحول المثقف إلى عجلة تدور في عربات السلطة والقوة والحزب والفئة والمجموعة , يؤسس لطوابير من المتحمسين لإشاعة الكلمة الخبيثة بين الناس , ومقاتلة الكلمة الطيبة. وبهذا تنحدر المجتمعات التي يكون المثقفون فيها عبارة عن عجلات , وتتداعى بكل ما فيها من القيم والقدرات. فالعجلة بحاجة إلى قوة لكي تدور , والقوة التي تحرك المثقف العجلة , هي القوة المتسلطة عليه والتي إختار أن يكون مرتهنا بها , ومأمورا بسلطتها , بعيدا عن سلطة الحقيقة وقوة القيمة ونزاهة النية والجوهر والإتجاه. وهكذا فأن المجتمعات التي ترعى المثقف العجلة , قد تنقرض وتتلاشى تحت سنابك الآخرين , الذين يتحركون بإرادة العقل والإيمان بالقيم والمبادئ والإرادة الإنسانية الصالحة الصادقة. وتلك حكاية الدوران في ذات المكان وفي جميع الأزمان. |