اخترعنا في العالم العربي شيئًا يسمّى «الوزارات السياديّة» التي حددت بالدفاع والخارجية والداخلية والمال. الباقي حقائب بلا سيادة: التعليم؟ الثقافة؟ الأشغال العامة؟ الاقتصاد؟ الشؤون الاجتماعية؟ لا سيادة لها. عندما شكّل الرئيس تمام سلام حكومته، أراد تجنب ضجيج الهوامير وأصحاب السيادة، فأخذ حصته من التشكيل في وزارة البيئة التي أعطيت لصديقه محمد المشنوق. ما هي «البيئة»؟ كلمة لا معنى لها في العالم العربي. ترف لا أهمية له. لا هي سيادية ولا فخاماتية ولا وجاهات ولا مواكب. وفجأة اكتشف اللبنانيون الغارقون في التلوث، أن البيئة هي الحياة، وأن إهمال وزارة البيئة كل هذه السنين أوصلهم إلى وقت وضعهم أمام جدار جديد: النفايات. وسرعان ما تحول العجز في جمع النفايات إلى أزمة في وجه وزارة الداخلية والدفاع وجميع الوزارات «السيادية» الأخرى. وفي وجه الدولة برمَّتها. يفيق العرب شيئًا فشيئًا، من غيبوبة العقود الماضية ليكتشفوا أن الحكم هو الحياة الكريمة، وليس الكرامة بلا حياة. وأن المجد ليس في احتلال الكويت، بل في إعادة تريليون دولار إلى فقراء العراق. وأن العزّة ليست في الأغاني، بل في فرص العمل. يفيقون فإذا الوزارات «السيادية» هي في إدارة اقتصاد حي، ورعاية اجتماعية جيدة، ووزارة صحة ممتازة كالتي يديرها وائل أبو فاعور في لبنان. تظاهرات بغداد وبيروت تُدخل العرب في العصر الذي دخله العالم منذ عقود. زعيم حزب الخضر في ألمانيا يوشكا فيشر كان سائق تاكسي في برلين، فأصبح وزيرًا للخارجية. رالف نادر زعيم حركة المستهلك في أميركا، أصبح مرشح الرئاسة الثالث بين الحزبين. الشعوب الحيّة تتبع من يعدها بالحياة ورغد العيش، ويملأ أعمارها عملاً لا هوامًا، ولا عبادة الذات، ولا خطبًا تتحول إلى رفوف الغبار بدل زوايا العمران، وحفر الأسس وتزويد الأجيال مستقبلاً قائمًا على الازدهار، لا عالمًا قائمًا على الفقر والفراغ. أفقنا فإذا البيئة ليست وزارة غير سيادية لا يريدها أحد، بل هي تقريبًا كل شيء. وإذا «دولة القانون» أعطتنا أجمل شعار وتلقت ثمنه تريليون دولار. يا أخي، ردوا التريليون وخذوا الشعار.
|