كتب المفكر خالد الدخيل مقاله الأسبوعي في «الحياة» الأحد الماضي عن «تفوّق الغرب وإنكاره عربيًا». والقضية قديمة، جديدها شخصية من يتطرق إليها، أو من يجرؤ على الخروج من دائرة الاسترضاء والتملّق ليُخاطب العقل والوعي والمسؤولية في الإنسان العربي. توقّعت أن تنهال على الدكتور خالد تعليقات الاستنكار والاتهامات بالخيانة والاستعمار، لكن المفاجأة كانت في 25 تعليقًا و176 تغريدة تثني على فكره التحليلي والموضوعية العلمية التي تميّز كتاباته بعيدًا عن الخطابية الجوفاء. وكان سلامة موسى قد أطلق على محمد التابعي لقب «أبي الصحافة المصرية» لأنه نقل المقال من الخطابية إلى المعرفة، ومن الغزارة إلى الكثافة. وكان يأخذ على بعض صحافة مصر أوائل القرن الماضي المبالغة غير الواقعية في سبيل إرضاء القارئ. وأعطى مثالاً الموقف من الحملة الإيطالية على إثيوبيا، فكانت الصحف تضخّم أرقام الخسائر الإيطالية والانتصارات الإثيوبية مع أن الجميع يعرفون أن الأولى دولة استعمارية كبرى والثانية دولة مسكينة فقيرة السلاح. وأعطى سلامة أمثلة كثيرة أخرى. ومنها أن الملك فاروق قاد مصر عام 1948 في حرب ضد «الدولة المزعومة إسرائيل»، وكانت النتيجة ما حدث. لكنه كان يتّكل على مشاعر الناس، التي ما لبثت أن ارتدَّت عليه. هزمت إسرائيل المجموعة العربية مرتين بالعلم. وربما كان مرنَّمًا يومها قول القذافي «حاربوهم بالنبابيت»، لكنه لم يشرح كيف ستهزم النبابيت الفانتوم والميراج. ليس أسهل من ركوب موجة الاسترضاء. الشجاعة هي في اختيار اليقظة والمعرفة والحقيقة. لكن الخطابية الحماسية لم تترك لنا سوى التخلّف والهزائم. أبعدتنا اللفظيات الحماسية عن سبل البلوغ. أعمتنا عن التمييز بين الآمال والأوهام، وبين الواقع والأماني. وحولتنا إلى أمّة بلا تحديات، ننام ونقوم على انتصارات في طواحين الهواء. تكررت 1948 لأننا اعتبرنا أن الحرب هي التعبئة، لكن الحرب هي التعبئة والحرب. ألوف المقالات والدراسات والمذكرات صدرت عن 48 و67 و73، لم تقل أي منها إن التفوق هو السبب. الإنكار، يقول لنا الدكتور الدخيل، لا يشكل نصرًا ولا استقرارًا ولا بلوغًا
|