نشرت صحيفة "اللموند" الباريسية مقالة في 26/8/2015 بقلم الخبير جان ميشيل بيزا Jean Michel Bezat حول تطور الاسواق النفطية مستعرضاً اموراً شتى.. فيتساءل الكاتب "الى متى تستطيع السعودية دعم حرب الاسعار؟ فهي بحاجة الى 105 دولار/برميل لتلبية متطلبات موازنتها.. فالمملكة الوهابية لا تحقق ذلك حالياً، وهي مضطرة لمواجهة عجز قدره 150 مليار دولار في 2015، اي 20% من الناتج الوطني الاجمالي، وذلك حسب تقرير صندوق النقد الدولي". ويواصل الكاتب تحليله قائلاً: "ان العراق يحافظ على تنفيذ خططه الطموحة لرفع مستويات انتاجه، وسيكون خلال الاعوام القادمة المساهم الرئيس لزيادة الانتاج".. فـ"العراق يعود بقوة"، حسب تعبير الكاتب. وبالفعل فان ما يتحقق كل شهر من تقدم في القطاع النفطي يثير تساؤلات العالم، الذي يقف حائراً في تفسير كيف يمكن تحقيق هذا التقدم وسط كل هذه العراقيل الادارية والاجتماعية والاوضاع الامنية.. وكيف استطاع رفع الانتاج والصادرات بهذه المعدلات العالية. فصادرات آب استمرت للشهر الثالث على التوالي بعبور حاجز الـ 3 ملايين برميل/يوم من المنافذ الجنوبية فقط.. دون ذكر 225 الف برميل/نفط خام كمعدل يومي سلم الى وزارة الكهرباء في نفس الشهر، او ارقام كردستان التي ان اضيفت، فانها ستعني بان صادرات العراق قد ارتفعت بحوالي مليون برميل/يوم، مقارنة بشهر آب 2014. العالم الخارجي يرى هذه التطورات ويرى فيها انجازاً كبيراً.. اما في العراق فالامور مختلفة وليست بهذا الوضوح.. وسواء اكانت الاسعار مرتفعة ام منخفضة لكن الاكيد ان الموارد النفطية، عندما تستخدم بالشكل الذي تستخدم به- فانها تساهم بترهل الدولة، وتراجع الزراعة والصناعة والخدمات، وانهيار القطاع الاهلي والخاص. فالنفط لا يحرك شيئاً من عوامل الانتاج من الادنى.. فهو يستخرج من تحت الارض من قبل اقل من 1.8% من القوى العاملة في البلاد، ويذهب عبر الانابيب والبواخر الى الاسواق الخارجية، مخرباً في طريقه الاراضي والمزارع والطرقات والاجواء والاولويات والنفوس، قاتلاً الدوافع والفرص للعمل الجاد النافع، ليعود الينا على شكل موارد مالية من فوق، توزع على ملايين الموظفين والمتقاعدين بشكل رواتب واجور، واستيرادات وسياسات دعم ونفقات تشغيلية واستهلاكية، وبعض المشاريع الاستثمارية التي لم تظهر جدوى حقيقية لحد الان. فالموارد النفطية عندما تستخدم كريع واموال سهلة تأتي للدولة، وعندما تنفق، كما انفقت خلال العقود الماضية على الحروب والاستيرادات والمشاريع الفارهة او الفاشلة او الفاسدة، فان اثارها السلبية ستكون اعظم من اثارها الايجابية في تعطيل عملية التنمية والتقدم في البلاد. فالشعب لن يشعر بانجازات النفط ما لم تنعكس عليه كخدمات وعمالة واصلاحات حقيقية وجدية وملموسة.. وهذا لن يتحقق ان لم تتحرك كامل عوامل الانتاج، وتنطلق ملايين المبادرات والنشاطات، بكامل شروطها ومستلزماتها ونتائجها، التي بينت اجراءات وسياسات الدولة، خلال العقود الطويلة الماضية، انها ليست فاشلة في تحقيقها فقط، بل انها حاجز حقيقي واساس في طريق انطلاقها اساساً.
|