حقائق الأرض وتخيلات القرار 2




كل يوم يمر على العراق في ضل ثلاثية السياسة العراقية الفريدة من نوعها السياديني المهيمن على القرار وعلى العقل الجمعي والعسكرياتية المطاوعة والمستغلة من قبل التيار الأول والضياع الشعبي في تحديد الهوية والمصير يؤكد جملة من الحقائق الواقعية وأهمها أن المستقبل العراقي كوجود وككيان على المحك وأن كل المحاولات الرامية للإصلاح من قبل نفس الأطراف المهيمنة على الساحة هي مجرد أعادة تموضع وتجديد في الأصطفافات البينية والأخطر هو نذر الشؤوم القادم مع تنامي الخلاف داخل التيار السياديني ذاته ومن أطرافه المتعددة , سواء في الجانب السني (داعش من جهة والفصائل المسلحة من جهة أخرى) أو داخل الصف الشيعي وخاصة اتنافرات الولائية بين أبرز المكونات موالية للمالكي ومعادية له , أضافة لظهور علني وحقيقي لتنازع في المرجعيات بين قم والنجف نزولا لأنصار الطرفين على الساحة .
الملخص من هذا المشهد أن المصير العراقي لا تحدده العوامل الطبيعية وهي الشعب والنظام الديمقراطي والقانون والدستور وذلك بسبب خلل بنيوي رهيب في الواقع العراقي بين ما ترسخ من ولاء للمرجعيات الدينية والعشائرية وحتى المناطقية وبين التسليم بواقع أن الدولة كائنة ومع وجود دستور دائم ومنظومة قوانين مدنية يفترض معها ان يتم تحول الأنتماء العراقي المجتمعي من الصيغة التقليدية المجبول عليها تأريخيا إلى واقع مدنية الدولة وشكلها المقنن وما ينتج من ذلك تبلور لمفهوم المواطنة وترسيخ حقيقة أن الشعب مصدر السلطة ولا سواه وما عدا ذلك مسميات جزئية تخضع لقوة القانون وتحتكم به وله.
في ضل صراعات التوافق وهي صراعات تمتد جذورها تحت الواقع المزيف وتفاعلات الصراع غالبا ما تكون علنية ولكن بالمحصلة التي تنتج هي أستحقاقات لمجموعة توافقات وتفاهمات تشبه في شكلها الحرب الباردة بين القوى العظمى وتستهدف فقط الأبقاء على الوضع كما هو ,محاولة الكسب من رصيد القوى المتصارعة بالنيابة عنها والاخيرة هي من تدفع والشعوب الثمن دون أن تخسر القوى الكبرى المحركة للنزاع شيء محدد ,هنا الصراعات بين المرجعيات الدينية والحزبية والعشائربة تلعب نفس اللعبة وبمظاهر علنية لكن توافقاتها محكومة بنظام خاص متفق على منظومة تفاهمات واقعية ومحددة وخطوط حمر , اما الخاسر فهي الذيول التي تتصارع على الأرض بالنيابة والخاسر الأكبر هو الشعب العراقي لوحده .
من التجربة أيضا أن القراءة التاريخية لا تنبئ بتغيرات جذرية في الواقع ولا نتوقع تبدلات على صعيد النظام الجماعي والأجتماعي للعراق ,ولا نأمل بخروج المجتمع من هذه الجدلية إلا من خلال رفض منطق الصراع البارد وتنازعات التفاهم وتجنب الخلط بين ما هو خارج مفهوم المواطنة وبين حقيقة أن الوطن هو الأطار الأمثل لبلورة الهوية ,إن التسليم الأعمى لحق قوى الصراع الخفي في لعب دور المحرك الأساسي في التغيير ورسم الرؤية الكونية له, وتسليمها مفاتيح القيادة يعني بالحقيقة التخلي عن إنسانيتنا الطبيعية لصالح مفاهيم العبودية والأستلاب والأستحمار ,وتخلي تام عن حق ودور الشعوب في تقرير مصيرها , عندها لا يمكن للديمقراطية ولا حق تقرير المصير ولا لائحة حقوق الإنسان أن تنتشل مجتمع غارق لهامته في وحل الضياع والخيبة ,ولا تنجيه ولا تقدر على التأثير في رسم مستقبل حقيقي له ليشارك شعوب العالم في قضية التحرير والأنطلاق التطوري للمجتمع الإنساني ككل .