العبادي والخيار الصعب

 

كما هو دائماً وفي كل المواقف الصعبة والمحن التي تعرض ويتعرض لها العراق منذ الاحتلال الاميركي الى الان يؤكد شعبنا انه الاكثر وعياً من نخب سياسية لاتفقه من امور السياسة شيئاً واستهانت بارواحنا ودمائنا وثرواتنا وكل مصالحنا لانها هي نفسها لم تصدق انها تسيدت على بلد مثل العراق بفعل ارادة المحتل وعلى وفق مصالحه .. وكنا كمواطنين عرضة لاتهامات شتى كلما رفعنا صوتاً من اجل التصحيح وانقاذ ما تبقى من وطن نخره الفساد واضعفته الصراعات وتهالك على مائدته اللئام ..

 

كان المواطن البسيط والمحروم من ابسط حقوقه يكابر ويضحي ويستغيث ليس من اجله بل من اجل عراق عرفه العالم كبيراً وعزيزاً وعصياً على اعدائه فتجاسر عليه من يدعون الانتماء اليه ..انتظرنا طويلاً وصبرنا على امل ان يضيع وسط شهوات واطماع بعض من راهن على فرقتنا وتشتت ارادتنا وتشريدنا وتهجيرنا .. وفي كل مرة كنا الافضل فكنا نعض على جراحنا ونذهب للانتخابات مع يقيننا بكل عمليات التزوير التي تسرق اصواتنا .

 

اليوم مع تصاعد موجة الغضب الشعبي واستمرار التظاهرات السلمية من اجل تغيير جذري يكون بداية لاجتثاث الفساد بكل انواعه ما زلنا نتطلع الى من يعيد للعراق عافيته و تبرز العديد من التساؤلات المشروعة عن قدرة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي بالمضي قدماً في حزمة الاصلاحات وتلبية مطالب المواطنين المشروعة ومواجهة كتل سياسية اعلنت تأييدها قولاً من دون ان تقدم على خطوة واحدة باتجاه تحقيقها ..

 

التركة ثقيلة ومعقدة فهناك معركة مواجهة مصيرية مع عصابة داعش الارهابية يتداخل فيها العامل الدولي والاقليمي وكتل سياسية لن تتخلى بسهولة عن امتيازاتها ومواقعها ووضع مالي صعب وتذبذب متواصل في سعر برميل النفط وواقع اقتصادي مزري فلا صناعة ولا زراعة ناهيك عن مشكلات لم تحسم مع أقليم كردستان وغير ذلك من المصاعب والتحديات وهي نتاج لابد منه لعملية سياسية ولدت مشوهة اصلاً بسبب محاصصات حولت مؤسسات الدولة من اعلى قمة الهرم الى ادناه الى اقطاعيات تتقاسمها الكتل السياسية بالتراضي على حساب مصلحة الوطن وشعبه .. وهو ما يجعل خطوات رئيس مجلس الوزراء صعبة لكنها في نفس الوقت ليست مستحيلة اذا ما توفرت الارادة والايمان والحزم والحكمة معاً ، لان الارادة من دون ايمان لاتحقق شيئاً والايمان بغير حزم يجعله شكلياً وكذا اذا فقد الحزم الحكمة يتحول الى تهور ..

 

العبادي طلب تفويضاً شعبياً من اجل تعديل الدستور وحل مجلس النواب وهو ما منحه الشعب اياه من خلال هتافاتهم منذ اول جمعة وقد يعني ذلك اعلان حالة الطوارئ وتشكيل حكومة انقاذ وطني من التكنوقراط ، غير ان هذا بالتأكيد سيدفع بكتل سياسية الى تسريع عرقلة هذا التوجه بذريعة حماية الدستور الذي تجاوزوا عليه في كل سلوكياتهم السياسية بدءاً من اختيار ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية وانتهاءً باستمرار التعينات بالوكالة مروراً بكل الخروقات والانتهاكات الاخرى لمواد الدستور خاصة ما يتعلق منها بالحريات وحقوق المواطن..

 

وفي كل الاحوال فان على العبادي انجاز ما وعد به الشعب والانحياز لخيارات المواطن الملتاع واختيار طريق المواجهة مع كتل سياسية تشعر بان مجرد الاصلاحات النسبية ستمس مصالحها تسانده الجماهير وهو الذي صرح عن استعداده لمحاربة الفساد حتى لو كلفه حياته والاعلان بوضوح عن القوى التي تسعى لمنعه ، او استمرار سياسة التسويف وتشكيل اللجان وهو ما رفضه المواطنون حيث لم يعد يرضون بانصاف الحلول كما حصل في السنوات السابقة .. من دون ان نغفل ان العبادي نفسه كان جزءاً من المنظومة السياسية المتحكمة بالمشهد السياسي .. فالى اي جهة تصطف مع الشعب الذي وضع ثقته بكم ام مع كتل سامته العذاب والحرمان ؟ الخيار صعب امام رئيس مجلس الوزراء اكيد لكن لابد منه