في لبنان حركة احتجاج واسعة على تردي الوضع المعيشي واهتراء الوضع السياسي. كل مطلب فيها حق، إلا أنها فجرت في وجه تمام سلام، الذي لا يمكن اعتباره مسؤولاً عن أي جرم أو إخفاق. ومثل كل حركة تخيف السياسيين وتفضحهم، اتهمت بأن السفارة الأميركية وراءها. وحاول بعض الأحزاب ركوب الموجة، فلما فشل، شتمها. وكمثل أي هبّة ريح تعيد اللبنانيين إلى أجواء الحرب، خاف اللبنانيون أن تكون رائحة الزبالة مقدّمة لانتشار روائح الرعب التي تضرب المنطقة. وما بين تلال القمامة والبلاستيك في بلد الجبال الخضراء، وما بين الخواء السياسي الفاحش، ازداد المسالمون خوفًا من موتوري الصفاقة والسفهاء وفاقدي الضوابط الخلقية. وتحوّلت المسألة من مطلب اجتماعي بديهي، بدائي، ضد عقود من سياسيي وسياسات القمامة، إلى حملة شخصية صبيانية على نشطاء الحركة. لقد أشعرت الحركة الجميع بالخوف. وذكّرت السياسيين بأن اللعلعات التي شلت الدولة، أوصلت الجميع إلى هذا الميناء البشع. وفضحت مستويات التعامل بين الناس. وكشفت عن أن السياسيين لا يكتفون بنهش ازدهار لبنان، بل يتسابقون على افتراس تحلله وبقايا حصاره. على الأقل بعض الاحتجاج عفوي. وكله محق. ورغم المسافات الاجتماعية تلاقت بيروت وبغداد في القيام ضد الفساد وفي تهزيء التعابير الطنانة الفارغة التي تغطي أكوام الفساد والنهب وأعراض الاهتراء. هذه المرة لم يصدق أحد أن المطالبين بالنظافة خونة وأميركيون من السفارة. ما أبله هذه التهمة. أن تكون مطالبة الأطفال بهواء صحي ومطالبة الأمهات برد الأوبئة ومطالبة الآباء بمدينة خالية شوارعها من أطنان القمامة ورائحتها، أن تكون هذه مؤامرة من السفارة الأميركية. لا. الأرجح أنها تواطؤ إجرامي بين تجّار الحياة في لبنان. تحاصص و«خوّات» وبلطجة وفصل من سلسلة العدميات التي تترك لبنان بلا رئيس للدولة. ثلاثون مرة تغيَّب نواب عن واجب الانتخاب، بينما يلحقون بالناخب إلى البرازيل، لكي يقترع لهم. هذا عدا الناخبين الموتى الذي يستعينون بأصواتهم ورفاتهم.
|