تنحصر الآراء بصدد حركة الاحتجاج في ثلاثة اتجاهات، منها اثنان لهما تأثير محدود. الاول هو اتجاه عدمي لا يرى جدوى في اي نشاط سياسي يطالب بالإصلاح، بدعوى ان الأوضاع لن تتغير رغم كل شيء بحكم عوامل عديدة، منها دور العامل الدولي في الابقاء على النظام، ويأتي هنا خصوصا دور الولايات المتحدة التي كانت الصانع الأساس للنظام السياسي المبني على أسس المحاصصة الطائفية والاثنية، يضاف الى ذلك ما يتمتع به المتنفذون من قوة وقدرات، وما يتوفر لهم من مال ونفوذ، بفضل صفقات الفساد والمواقع التي يحتلونها في السلطة ومؤسسات الدولة، وإذن فلا امل في تغيير شيء وفقا لهذا الاتجاه، الذي يتسم بالتشاوم واليأس. أما الاتجاه الآخر فلا يرى حلا للازمة المستفحلة إلا بإسقاط النظام القائم بشكل تام وكامل، والمباشرة في اعادة بنائه من الصفر، ويجد هذا الاتجاه انعكاسه في شعارات يرددها البعض، من قبيل "فرض حالة الطواريء" و"حل البرلمان" و"إلغاء الدستور" و"إسقاط الحكومة"، وينطلق أصحاب هذا الاتجاه من منطلقات متباينة وحتى متناقضة، فمنهم من يناصرون داعش، ومنهم من يحنون الى نظام صدام الدكتاتوري، لكن بينهم ايضا بعض أصحاب النوايا الحسنة، المحلقين بعيدا عن الواقع والحالمين من بعيد بالتغيير، من دون ان يسهموا بأي شكل في الكفاح الحقيقي، سياسيا كان او اجتماعيا او نقابيا، ومن دون دراسة الواقع بتناقضاته، ولا محاولة الفهم الواقعي لطبيعة الصراع الدائر على شكل الدولة العراقية ومحتواها. واما الاتجاه الثالث، وهو الاتجاه الغالب، فيسعى الى إصلاح النظام السياسي، وإعادة بنائه على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وإقامة دولة القانون والمؤسسات الدستورية، المبرأة من الطائفية السياسية، وهذا هو الاتجاه الواقعي الذي نزل إلى الشارع بقوة، وأسهم في التظاهرات بفعالية ونشاط وحيوية، وعمل ويعمل على إدامة زخم التظاهرات من اجل مواصلة الضغط والتأثير، لتحقيق اهداف الاصلاح والتغيير، من دون ردة او نكوص او تراجع او التفاف، خاصة وان هذا الاتجاه واعٍ لدوره وقدراته في مواجهة حيتان الفساد ورموز الطائفية، وما يمتلكونه من قوة وقدرات وعلاقات، علما انه احرز نجاحات وان كانت محدودة وفي بداية طريقها، لكنها اثرت بشكل كبير في بناء وعي وطني وثاب بضرورة بناء دولة مدنية ديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية. ووجد هذا الاتجاه ان تحقيق ما تصبو إليه جماهير الشعب يمكن ان يتحقق عبر عملية دؤوبة مثابرة مستمرة، مبنية على رؤية إصلاح واضحة، ولها برنامج شامل يتضمن وحدة قياس يمكن في ضوئها حساب الانجاز، الى جانب منهج عمل متكامل. وقد حتمت واقعية هذا الاتجاه عليه رفع مطالب واضحة ومحددة، في ثلاث عناوين كبيرة واضحة، اولها اصلاح العملية السياسية واعادة بنائها على وفق مبدأ المواطنة وبعيدا عن المحاصصة الطائفية والعنوان الثاني هو محاربة الفساد وملاحقة الفاسدين وردعهم ووضعهم في مواجهة القانون، فيما يتركز المطلب الثالث على موضوعة الخدمات وأهمية توفيرها للمواطنين. ويبقى الرهان على نجاح عملية الاصلاح بتعزيز دور الحركة الاجتماعية، وتفعيل قدرتها على المواصلة عبر إبعاد كل عناصر الوهن والتردد، وحشد كل القوى التي لها مصلحة في قيام عراق مدني ديمقراطي امن و حر ومزدهر.
|