السيف اصدق انباءا من الكتب

لو تسنى للشاعر ابو تمام الطائي الذي ولد قبل اكثر من الف عام، ان يطلع على ماساة العراقيين، وما يعانونه اليوم على يد ساستهم الفاسدين خلال هذه السنوات العشر الاخيرة.

لعمد بكل تاكيد، الى جعل مطلع قصيدته التي هي عنوان المقال اعلاه، اكثر شدة وصرامة.

فكيف يصبر العراقيون، الذين حرموا من ابسط مقومات الحياة، على هذا الظلم والحيف، وهذه الفوارق الطبقية ؟!!.....

نجد مثلا :

# الموظف البسيط براتبه الخجول.

مقابل عشرات الملايين لكل مسؤول !!..

# رجل الدين بخطبته الرنانة يوم الجمعة.

مع استهتار المسؤول بكل وصايا السماء !!..

# الاب الذي يهدد الجوع اطفاله امام عينيه.

بينما ابناء المسؤولين يتناولون الفطور في دولة، والعشاء في اخرى !!..

# الام المفجوعة بولدها الشاب وهو يصارع امواج البحر، هربا من جشع المسؤولين.

فيما الطائرات الخاصة بالمسؤولين تختصر العالم كقرية صغيرة لاولادهم !!..

# العم الذي يحتار باليتامى اولاد اخيه.

بينما الوزارات والدوائر و… قد إمتلأت بافراد الاسرة الواحدة !!..

# المعلم الذي يقرا الجد المختلط بالفقر على وجوه الطلاب.

مقابل تلك الشهادات الجامعية التي تمنح غيابيا لاولاد المسؤولين المترفين في اوروبا وامريكا، بلا حساب!!..

# الطبيب الذي يموت مريضه بين يديه لفقد ابسط انواع العلاج.

فيما تصرف عشرات الاف الدولارات على مؤخرة المسؤول الفلاني!!..

# استحالة العلاج للضرورات خارج العراق, لضيق اليد ماديا.

مع ايفاد المسؤول للترفيه في مكة بذريعة اداء مناسك الحج والعمرة، وللمرة العاشرة ربما!!..

# دموع الاطفال الحيارى في الظلام بعيدا عن الوطن، وخلف الاسلاك الشائكة.

فيما ابتسامات المسؤولين الساقطين في قاعات اجتماعاتهم اللعينة تلوث فضاء الحرية بلا مبرر!!..

# نظرة الطفل المستحيلة الى قطعة حلوى وجرعة ماء ولو من خلف الزجاج.

مقابل انواع الورود المحاطة بقناني المياه المعدنية، وكل ما لذ وطاب على مائدة المسؤولين في قاعات اجتماعاتهم السخيفة!!..

# المراجع في دوائر الدولة، وهو يعيش كابوس الانتظار وكيفية دفع الرشاوى. مقابل معاملة المسؤول الذي تذهب الى قصره كاملة، مع الاعتذار بسبب التاخير!!..

# الشاب الذي تدفن ابسط احلامه في بلد النفط.

ونظيره ابن المسؤول عائدا من حفلاته الماجنة، وهو يغدق بالعطاء من اموال الشعب العراقي على عاهرات الليل!!..

# مسؤول لجنة النزاهة وهو يتوعد ويتاجر بالمثاليات.

ومكالمة هاتفية بسيطة قد تثنيه عن عزمه رغبة، او رهبة!!..

# الباحث عن عمل بلا جدوى، وقد اكلت الارض من لحم قدميه حتى العظم.

ليجد بالمقابل عشرات الالاف ممن تنزل رواتبهم المغرية تلقائيا في حساباتهم بلا عناء!!..

# العائلة البسيطة التي سرقت فاقتها ابتسامتها، حتى نسيت لون الفرح.

بينما عوائل المسؤولين غارقة في الحفلات والسهرات!!..

رجل المرور يغتال دور القانون, عند مرور موكب المسؤول.

وهو يخشى في قرارة نفسه, عصا ذلك القانون، التي لا ترحم البسطاء امثاله!!..

# الاعلامي الذي يدعي الامانة المهنية في نقل الحقيقة.

وهو بالمقابل يحفظ الاسئلة الجاهزة عن ظهر قلب قبل اللقاء، ارضاءا لضيفه المسؤول!!..

# العسكري الذي يضحي بنفسه للوطن.

يؤدي التحية لقائده الذي لا يتردد في بيعه!!..

# السياسي الذي يرى تواضع ساسة الدول وحرصهم الشديد على ثروات بلدانهم.

بينما يعيش يوميا غطرسة المسؤول العراقي وبذخه المفرط!!..

# واخيرا.

فقد غدى قائم الليل وصائم النهار في حيرة من امره.

فلا السماء تستجيب لدعائه، ولا الظالم يؤخذ بظلمه، وَكأَنَّ الإِلهَ قد غدى في اجازة!!..

و … و …. و ….

حيث ان القائمة تطول وتطول.

السؤال :

متى سيرفض الشعب العراقي منطق الاستسلام والمطالبة، ويعلنها ثورة مسلحة ضد الظلم والفساد ؟!!...

ومتى سينقلب الشعب العراقي الى وحش كاسر، يقلب كل ما يصادفه من حجر ومدر، من سكين وعصى و ….. الى طلقة حاقدة تستقر في صدر المسؤول العراقي وكل ذويه بلا رحمة وبلا استثناء، أيّاً كان، وأيْنَما كانْ ؟!!...

اما لماذا لم تصدر من الشعب العراقي اية ردود فعل جدية بهذا الخصوص لحد الان ؟!!...

فلعله يعود للسبب ادناه.

ان الظلم الذي يمارسه الحكام اليوم بحق الشعب العراقي، وباساليبهم الملتوية القذرة.

قد يضاهي ما عاناه الشعب من ويلات على عهد المجرم صدام حسين.

فلقد قبضوا اليوم على مفاصل الاقتصاد العراقي بيد من حديد، ولا شك ان

( من يملك الخبز يملك القرار ).

وهكذا، حاصروا الشعب العراقي، ووضعوه في زاوية ضيقة، لاحول له ولا قوة، على امل ان يضطر للاستسلام.

والدليل على ظلمهم الفاحش هذا، هو تلك الجيوش الجرارة من قوات الحماية الشخصية، التي تحيط اليوم بِكلِّ مَنْ هَبّ ودَبَّ من المسؤولين.

والتي قد تعادل عَدَداً وَعُدَّةً، قوات حماية صدام حسين حين كان يجوب شوارع العراق.

والذي لا شك فيه، ان لجوءهم الى هذا العدد الهائل من الحراس الشخصيين. ان دل على شيئ فانما يدل على شدة خوفهم وهلعهم حتى من ظلهم, وذلك ليقينهم في قرارة انفسهم بانهم خائنون، وقد قيل :

( الخائن خائف).

بل انهم منافقون ايضا.

وإلّا , لَآمنوا بقوله تعالى في سورة التوبة، الآية ٥١ :

( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ).

وَلَساروا على مَبْدأ :

( عَدلْتُ، فأمِنْتُ، فَنِمْتُ ).